تكنولوجيا التحول الزراعي في البلدان الفقيرة

23:06 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي*

هناك دراسات اقتصادية عدة، تناقش علاقة التفاعل بين كل من النظرية الاقتصادية والتغيير التكنولوجي لدراسة الممارسات المباشرة المتعلقة بالقضايا المعاصرة للعلم والتكنولوجيا. ولاحظت تلك الدراسات ان هناك نزوعاً شائعاً لإقامة مساواة كاملة بين تحليل التغيير التكنولوجي وبين عملية التصنيع. وأحد أسباب حدوث هذا هو الترابط الطبيعي في أذهان الناس بين «الماكينات» وبين «التكنولوجيا». ويتم تعريف التكنولوجيا بدلالة تحول مدخلات إلى مخرجات، أي أنها فن صنع الأشياء وبالتالي فإن هذا التعريف يقبل التطبيق على كل فروع الإنتاج الاقتصادي، بما فيها الزراعة. وهناك سببان آخران وراء هذا الانحياز النسبي، أولهما التركيز بالغ الضخامة الذي تم توجيهه إلى التصنيع باعتباره «الحد القاطع» للتنمية الاقتصادية، من جانب طائفة واسعة من المعلقين خلال الستينات والسبعينات. وثانيهما تقسيم العمالة الفكرية ذاتها فيما بين الدراسات التنموية، حيث كانت كل الأشياء «الزراعية» تقع في دائرة اختصاص موروث أكاديمي أقدم يضم علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الاجتماع الريفي والعلماء الزراعيين ومهندسي التربة والمياه، ومناهج أخرى مصاحبة. ولهذا فإن المهندسين الصناعيين والاقتصاديين مع بدء اهتمامهم الذي جاء في وقت متأخر بالكيفية التي أمكن بها للأقطار الأقل نمواً ان تستفيد من العلم والتكنولوجيا المعاصرين، كان من المنطقي أن ينزلوا بثقلهم في اتجاه الصناعات الجديدة التي كانت تقام آنئذ، في اتجاه الأسس التكنولوجية الخاصة بها.

 ورغم هذا، يحتمل أن يكون العامل الأكثر أهمية الذي أدى إلى الإهمال النسبي لقطاع الزراعة متمثلا في أن «تكنولوجيا» التحول الزراعي تختلف نوعياً عن معادلها الصناعي في عدد من الجوانب المهمة، منها أن التكنولوجيا الزراعية تكون غير مستقرة بيولوجياً، كما أن لها خصوصيات موضعية (أي ترتبط بالمكان)، بما يعني أن كفاءة الإنتاج الزراعي غير محددة عبر الزمان وخلال الفراغ. وهكذا يكون من المتوقع عموماً أن تختلف كثيراً غلة الهكتار في بقعة محددة من عام إلى آخر، وعنها في بقع أخرى تقع في مناطق جغرافية مخالفة. وسوف تكون هذه التغييرات في عمومها، تحت سيطرة الإنسان، طالما أنها سوف تعتمد على عوامل مثل كيمياء الاتربة، وارتفاع وتركيب المياه الأرضية والجو، والأوبئة وأصناف البذور والممارسات الفلاحية ونوع المحصول، وغيرها من العوامل. وهذه الريبة الجوهرية ونقص قابلية الأحداث للتكرار قد أوجدت منهجاً مؤسساتياً لدراسة التغيير التكنولوجي في الزراعة بالبلدان الأقل نمواً يختلف كلياً عما ألفناه في القطاع الصناعي. ولهذه الأسباب جميعاً لم يتطور تحليل سياسة العلم في ما يتعلق بتنمية المناطق الريفية بطريقة حقيقية بعيدة المدى.

 ومع هذا تبقى التنمية الريفية ذات أهمية حيوية لعدد من الأسباب بالغة الوضوح. فأغلبية الناس في الأقطار الأقل نمواً يقوم أودهم على الأرض، وغالباً ما يتم هذا في ظروف مشقة بالغة. ومن المؤكد أن العلم والتكنولوجيا يمكن النظر إليهما باعتبارهما هدفاً أول لصانعي السياسة بقدر المدى الذي يضمن به هؤلاء إمكان الإسهام في تحسين إنتاجية الموارد الزراعية، مع افتراض أن المكاسب المتحصلة يمكن تخصيصها لمصلحة الفقراء أنفسهم. علاوة على أن أي تحسين في الظروف الزراعية قد يساعد في تقليل الهجرة إلى المناطق الحضرية، ما يفرز بالتالي احتمالات حدوث تنمية إقليمية أكثر عدالة، وكذلك إصلاح الأحوال المعيشية القائمة في أغلب التجمعات الحضرية في الأقطار الفقيرة.

 وهناك عامل ثالث ذو أهمية حيوية يختص بالدمار البيئي الذي يحدث الآن على امتداد أجزاء عدة من عالم الجنوب.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3b6777hp

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"