فرصة لبنان الأخيرة

00:45 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. خليل حسين

ليست سابقة أن يمر لبنان بنوع عالي المستوى من الأزمات، فتاريخه يعج بمختلف الصور من النزعات الصراعية المتعددة الجوانب والخلفيات، التي كانت في الأغلب تنتهي بتسويات لا يوجد فيها غالب أو مغلوب؛ ذلك ضمن أُطر تسويات إقليمية ذات محتوى دولي. أما اليوم فيختلف الأمر لما يتداخل من عناصر ومؤثرات ذاتية متصلة بخلفيات اجتماعية واقتصادية وسياسية، وموضوعية متصلة بأبعاد خارجية، متدخلة بالواقع اللبناني الذي يعج بمفردات النزعات والصراعات.

 وما يزيد من هذا الواقع المرير مظاهر تحلل مؤسسات الدولة؛ حيث فراغ سدة الرئاسة الذي امتد إلى مفاصل تنفيذية أخرى، علاوة على انهيار مالي واقتصادي غير مسبوق، معطوف على انقسام عمودي مجتمعي يلبس اليوم لبوساً طائفياً ومذهبياً يعيده إلى صور الحرب الأهلية منتصف سبعينات القرن الماضي. باختصار إنه وضع أقرب إلى الانهيار الشامل الذي لا حلول بعده.

 ويبدو أن المهتمين بوضع لبنان، ينطلقون من مبدأ ملء الفراغ الرئاسي، لإعادة تكوين السلطة ومؤسساتها، ومن هذه الوجهة انطلقت مبادرات عدة؛ أبرزها لقاءات باريس التي ضمّت أطرافاً لها وزنها بين الفئات اللبنانية، وبصرف النظر عن مدى تجاوب هذه الأطراف مع الطروحات ذات الصلة بالشأن الرئاسي، فلا مدخل فعلياً وعملياً سواه حالياً، وبالتالي يعد مدخلاً قابلاً للحياة، والبناء عليه لاحقاً.

 وما يعزز من فرص هذه البيئة من الطروحات ما يواكبها من تقارب إقليمي، كان لوقت قريب غير موجود؛ بل يعد من العوامل غير المناسبة، فيما اليوم تعلق عليها الآمال الكبيرة، لإقناع الأطراف اللبنانية بالمضي في حياكة تفاهمات، تؤدي إلى إعادة نظر كبرى بالاتفاق على اسم رئيس للجمهورية، يتم التوافق عليه داخلياً بدعم إقليمي ودولي. والإضافة اليوم تكمن في محاولة الاتفاق المسبق أيضاً على ملفات داخلية حيوية ومن سيكلف فيها، خاصة بمستوى رئاسة الحكومة، الذي سيكون أمامه وأمام حكومته قضايا استراتيجية لها علاقة بالكيان اللبناني ووسائل استمراره.

 لبنان اليوم لا يملك ترف الوقت؛ بل تفاصيل متطلباته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهو في سباق مع الزمن قبل الانهيار الشامل الذي لا عودة عن تداعياته القاتلة، وبالتالي لا خيار أمام القيادات اللبنانية إلا التفكير بتمعن بالفرصة العربية الدولية المتاحة، لا سيما أن الجميع يدرك بوضوح أن عدم التقاط هذه الفرصة في هذه الظروف بالتحديد، سيكون أمراً قاتلاً وغير قابل للتعويم مجدداً إلا بأثمان ستكون قاسية جداً على جميع الأطراف اللبنانية.

 هناك ظروف إقليمية عربية ودولية مناسبة لإحياء بعض المبادرات، ومن بينها اقتران خيار رئاسة الجمهورية مع خيار رئاسة الحكومة التي من الممكن أن تكون مدخلاً مقبولاً لمشروع مستدام، أقله الاتفاق على ملفات كانت دائماً محل نزاع؛ كالاستراتيجية الدفاعية، وملفات الإصلاح المالي والاقتصادي، وإعادة تكوين السلطة التي بدت في بعض الفترات وكأنها تعد مدخلاً لإعادة التوافق على عقد سياسي اجتماعي جديد على الرغم من صعوبة التوصل إليه في هذه الظروف الهلامية.

 لقد مرَّ لبنان سابقاً بمحطات احتراب داخلي بأبعاد خارجية متعددة الخلفيات والأوجه، وكانت الأطراف اللبنانية عادة ما تُجمع بوسائل ضغط متنوعة، وتجبر في أغلب الأحيان على قبول حلول لم تكن وفقاً لرغباتها، فيما اليوم يتطلب الأمر، المزيد من الجهد من الأطراف الخارجية الفاعلة، والمزيد من مرونة الأطراف اللبنانية لتقبل التفاهمات الممكن التوصل إليها.

 ثمة بعض الفرص التي يمكن أن تكون متاحة في ظرف معين، لكن الفرص من الصعب أن تتكرر، ومن الصعب كذلك أن تبقى صالحة للعمل، ومن هذا المنطلق، ينبغي على اللبنانيين المزيد من الوعي حول ما وصلت إليه ظروف البلد ومكوناته الاجتماعية التي تقف اليوم على مفترق طرق، أقله المس بالكيان ومكوناته، فهل يدرك اللبنانيون أهمية الفرصة الأخيرة المتاحة؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3dxfnz3b

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"