الصين وآسيا الوسطى

23:12 مساء
قراءة 3 دقائق

شو وينهونغ *

تستضيف مدينة شيان الصينية بمقاطعة شانشي «قمة الصين وآسيا الوسطى» يومي ال 18 و19 من مايو/أيار الجاري، في فصل جديد من فصول التنمية بين الصين ودول آسيا الوسطى الخمس كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان.

لطالما ربطت الصين ودول وسط آسيا علاقات صداقة وجوار تقطعها الجبال المتداخلة والأنهار المتشعبة التي تحمل معها قصص وأساطير طريق الحري القديم الذي كان يصل آسيا بأوروبا، وسافرت عبره الاختراعات والإبداعات الصينية إلى وسط وجنوب آسيا والشرق الأوسط وأوروبا وفتنت الناس هناك بجمالها.

ووفقاً ل «نظرية القلب» لعالم الجغرافيا والسياسة البريطاني هالفورد جون ماكيندر، والتي جاء بها في مقال له بعنوان «محور الارتكاز الجغرافي في تعاليم التاريخ» عام 1904، كانت آسيا الوسطى، كجزء من أوراسيا، المحور الجغرافي للتاريخ وستظل محور السياسة العالمية. في حديثه قال ماكيندر: من يحكم أوراسيا يأمر قلب الأرض، ومن يحكم قلب الأرض يأمر جزيرة العالم، والذي يحكم جزيرة العالم يأمر العالم. مشيراً إلى منطقة وسط آسيا على أنها «قلب الأرض» وجوهر أوراسيا، وواصفاً قارات العالم القديم «أوروبا وآسيا وإفريقيا» بأنها «جزيرة العالم».

لقد أصبحت نظرية ماكيندر، من بعض النواحي، المحرك الدافع وراء السياسات والاستراتيجيات الخارجية للقوى الكبرى حتى اليوم. ما أدى إلى تنافس شديد بينها لتوسيع مجال النفوذ، وبالتالي تغيير السياق التاريخي لوسط آسيا.

في غضون ذلك، حاولت القوى الكبرى التدخل في المنطقة عدة مرات، ونهضت إمبراطوريات وانهارت أخرى، لكن يأسها لتوسيع نفوذها إلى مناطق أجنبية أو السيطرة عليها أدى إلى عدم الاستقرار في بعض آسيا الوسطى. وتعتبر أفغانستان المثال المناسب للفوضى السياسية والدمار الاقتصادي الذي كان جزءاً من أسبابه تدخل تلك القوى. وحتى بعد مرور أكثر من عام على انسحاب القوات الأمريكية من البلاد بعد عقدين من الاحتلال، لا تزال أفغانستان تكافح للنهوض مجدداً وعلى جميع الجبهات.

بالعودة إلى الحدث المنتظر، ستثبت قمة الصين وآسيا الوسطى حجم الوُد والشراكة التجارية الموثوقة بين الأطراف الستة. إلى جانب تعزيز الشراكة الاستراتيجية الصينية الروسية بفضل الثقة المتبادلة العميقة والتفاهم الجيد حول التنمية والأمن الإقليميين. إلا أن بعض الجهات الدولية، ولتحقيق غاياتها الجيوسياسية المحدودة، تخلق مشاكل وتحاول إثارة النزاعات بين دول المنطقة. لكن التعاون البنّاء بين كل من الصين ودول آسيا الوسطى من جهة، وموسكو من جهة ثانية، فضلاً عن العلاقات الجيدة بين بكين ودول أخرى في المنطقة، سيكبح جماح القوى الغربية ويمنعها من تحقيق أهدافها في عرقلة هذه النجاحات.

ومن خلال العمل معاً، خاصة على مدار السنوات العشر الماضية، وبدافع من مبادرة الحزام والطريق، أقامت الصين ودول آسيا الوسطى منصات تعاون قوية، استفاد منها جميع الأطراف.

فبعد سنوات من المناقشات والتبادلات، توصلت الصين وقيرغيزستان وأوزبكستان إلى اتفاق لإنشاء خط سكة حديدية يربط بين الدول الثلاث، وستساعد مبادرة الحزام والطريق على تعزيز جودة البنية التحتية في هاتين الدولتين، وزيادة وتيرة التنمية، وتحويل مقاطعة شينجيانغ إلى جسر اقتصادي يصل آسيا الوسطى، ويربط شرق القارة بأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا.

كما ستعمل السكة الحديدية الجديدة بين الدول الثلاث وغيرها من المشاريع الحيوية، على تحويل آسيا الوسطى من منطقة غير ساحلية إلى منطقة مترابطة براً. وستعمل قنوات الاتصال المقترحة براً وجواً، بما في ذلك البنية التحتية كأنابيب النفط والغاز، على تقريب بلدان آسيا الوسطى من البحر، وبالتالي تعزيز تجارتها مع العالم الخارجي.

بصرف النظر عن أن تصبح منطقة أساسية لمشاريع الحزام والطريق، وجزءاً من مجتمع موحد يربطه مستقبل مشترك، ستتحول آسيا الوسطى أيضاً إلى منطقة مزدهرة. وسرعان ما سيدرك الناس هناك أن دعوة الصين للمساعدة على بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية ليس شعاراً فارغاً ولكنه مشروع مخلص لصالح الجميع.

إن الوضع العالمي يتغير بسرعة، مع اتجاهين مختلفين. أحدهما متمثل بتعزيز الصين للمنفعة المتبادلة مع دول مثل دول آسيا الوسطى وبذل الجهود لتوحيد جميع الدول حتى تتمكن من تحقيق السلام والاستقرار والتنمية. والاتجاه الآخر هو أن تشكل القوى الغربية تحالفات تُجبر الدول الأخرى على الانحياز إلى جانب واحد، واستخدام العقوبات والتهديدات لإجبار الصين على قبول مطالبها أياً كانت، مما يعزز عدم الاستقرار ويزيد حدة التوترات في جميع أنحاء العالم.

لكن على الرغم من النوايا السلبية لبعض القوى الغربية، سيظل السلام والتنمية الموضوعين المهيمنين لهذا العصر. وسيتردد صدى أصوات القوى الداعمة للسلام والقوى الموجهة نحو التنمية، مثل تلك التي من المرجح أن تنطلق من مدينة شيان وعبر «قمة الصين وآسيا الوسطى»، في جميع أنحاء العالم.

* نائب الأمين العام لمركز الحزام والطريق في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية (صحيفة تشاينا ديلي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4frjepy4

عن الكاتب

نائب الأمين العام لمركز الحزام والطريق في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"