المبادرة الفرنسية وتكريس الحل الدولي

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

د . خليل حسين

انطلقت المبادرة الرئاسية الفرنسية مجدداً، عبر جان ايف لودريان، وزير الخارجية الفرنسية السابق، وسط ظروف معقدة جداً، بخاصة بعد الجولة الثانية عشرة للانتخابات الرئاسية اللبنانية؛ وانطلاقاً من التوصيف الدبلوماسي الفرنسي الذي سُمي بالمهمة شبه المستحيلة، بالنظر لوقوف جميع الأطراف اللبنانية عند مواقفها، وعدم إبداء أية إمكانية للتنازل عمّن رشحته للرئاسة.

  ورغم ما يتصف به المبعوث لودريان من سعة معرفته بظروف لبنان الدقيقة، وقدراته الدبلوماسية المشهودة، باتت ظروف المرحلة تتطلب مقتضيات إضافية تجعل الحراك الفرنسي أكثر صعوبة، رغم محاولات باريس تذليلها، وآخر ما قامت به مباحثات الرئيس الفرنسي ماكرون، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبصرف النظر عما سرب من معلومات أو سياقات عامة أو محددة، فاللقاء الفرنسي- السعودي شكّل رافعة لإعادة إطلاق حراك دولي بصرف النظر عن مندرجاته ونهاياته في المرحلة الحالية. وفي واقع الأمر، فإن ما توصلت إليه باريس في إدارتها للأزمة الحالية لا تعدو محاولات خجولة ضمن اللجنة الخماسية والتي لكل طرف فيها رؤية خاصة لما يمكن التوصل إليه، مع بعض التمايز في المواقف إن كان لجهة الأسماء المقترحة، أو برامج أصحابها.

  وبصرف النظر أيضاً عن المنهج المتبع لطرح الحلول، ثمة ثوابت انطلقت منها المبادرة الأساسية التي استندت إلى سلة متكاملة جمعت بين شخصية المرشح الرئاسي والشريك الآخر في السلطة التنفيذية، أي رئيس الحكومة ومجلس الوزراء، وفي ذلك يعتبر منهجاً مقبولاً يمكن البناء عليه، لجهة تركيبة السلطة وبرامجها، ما يرضي أقله فئات الدعم الخارجي التي تنتظر سلطة طموحة نحو قيام إصلاحات بنيوية يطلبها صندوق النقد الدولي، وتحث عليها مختلف القوى الدولية التي اشترطت تقديم المساعدات الاقتصادية بالتوازي مع إطلاق ورشة الإصلاحات.

  وبصرف النظر عمّا يشاع حول تفصيل الحراك الفرنسي، ثمة معطيات تشي بصعوبة التوصل السريع لبناء مشروع منتج لرئيس، ويبدو أن طبيعة اللقاءات، وما طرح فيها، هو من نوع الاستطلاع الإضافي لآراء معروفة مسبقاً، إلا إذا كان الهدف هو أخذ وقت إضافي لترميم المواقف لإعادة هيكلتها للتوصل إلى اتفاق مقبول .

   إن ما يمكن التوصل إليه هو نتيجة مؤكدة، أن لا قدرة للأطراف اللبنانية على نسج حل لبناني خالص، وثمة يقين مؤكد أن صناعة الرئاسة في لبنان تتطلب بيئة إقليمية ودولية وازنة ومؤثرة في الأطراف اللبنانية؛ وفي هذا الإطار بالتحديد يمكن ملاحظة أن أحد عشر رئيساً للجمهورية اللبنانية انتخبوا ظاهرياً في مجلس النواب، إنما فعلياً، ثمة ظروف إقليمية ودولية خاصة بكل رئيس واكبته للوصول إلى سدة الرئاسة، بمن فيهم الرئيس الأسبق سليمان فرنجية، وهو جد المرشح الحالي سليمان فرنجية، الذي انتخب عام 1970 بفارق صوت واحد عن مرشح الشهابية آنذاك، الياس سركيس.

  ما يجري حالياً هو محاولة إعادة الوضع اللبناني إلى أولويات اللاعبين الدوليين والإقليميين المؤثرين، فإضافة إلى الخماسية التي تضم فرنسا والوليات المتحدة والسعودية ومصر وقطر، ثمة إشارات لإدخال أطراف آخرى بهدف التأثير الجدي في أطراف لبنانية، كروسيا وإيران، وإنْ بوسائل وطرق غير مباشرة. وبصرف النظر عن إمكانية التحقق وفعالية المشاركة، ثمة ثابت مفاده أن الحل الدولي هو الإمكانية المتاحة، من دون غيرها من الوسائل.

   ثمة سوابق كثيرة لا حصر لها في الحياة السياسية اللبنانية التي تبرز الحل الدولي، بينها اثنتان عام 1920 عند إنشاء الكيان اللبناني، وعام 1943 عند الصيغة التأسيسية للجمهورية الأولى، واثنتان حديثتان، هما اتفاق الطائف عام 1989 التأسيس للجمهورية الثانية بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل والفراغ الرئاسي، والثانية اتفاق الدوحة عام 2008 بعد الفراغ الرئاسي بعد ولاية الرئيس إميل لحود. فهل الفراغ القائم حالياً، سيحث على اتفاق دولي لترسيم خطوط انتخابات الرئاسة، وتعيين طبيعة النظام القادم للبنان؟

  ثمة إشارات واضحة إلى أن لبنان قادم على وضع مغاير عما هو عليه اليوم، أقلّه تغيير في بنية النظام السياسي والذي سيشمل، حكماً، تغييراً ديموغرافياً قاسياً يقلب صورة لبنان ورسالته ودوره، إضافة إلى التداعيات المستقبلية على بنية النظام المجتمعي. فهل إن المبادرة الفرنسية الحالية تلحظ وتدرك خطورة الواقع القائم، وكيفية إخراج لبنان منه؟ وهل تملك الوسائل للحلول الأنجع كأم حنون كما يلقبها اللبنانيون في احتضانها الدائم للبنان؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2fedtbkj

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"