عادي
80 ألفاً من عائلات «التنظيم».. و10 آلاف أجنبي يقيمون فيه

مخيم الهول.. «قنبلة داعش» الموقوتة

00:03 صباحا
قراءة 7 دقائق

د. أيمن سمير

عندما تمت هزيمة «داعش» في معركة «الباغوز» في بداية عام 2019، تم التسويق لهذا النصر، كونه يعد «المعركة الأخيرة» ضد التنظيم الإرهابي في المشرق العربي، خاصة في سوريا والعراق، وبدأت بغداد ودمشق جهوداً حثيثة للقضاء على بقايا وخلايا «التنظيم»، لكن كان على العالم مواجهة «تحدٍ جديد» بعد القضاء على مقاتلي «داعش»، ويتمثل هذا التحدي في العائلات، بما تضم من نساء وأطفال، خلفهم مقاتلو التنظيم الإرهابي وراءه، خاصة أن هناك عائلات لم تعد إلى مناطقها التي قدمت منها، ومعظم تلك العائلات من العراق وسوريا؛ بل تم تجميعها في «مخيمات» أغلبها بالمناطق التي يسيطر عليها الأكراد شرق نهر الفرات، وزاد من هذا التحدي أن كل العائلات ليست من المنطقة، أي ليست من سوريا والعراق، فهناك عائلات وأطفال ل«داعش» قدموا من الدول الأوربية والغربية وحتى الآسيوية.

«مخيم الهول» الذي يقع في شمال شرق سوريا، يشكل نموذجاً لهذا التحدي، فهو يضم نحو 80 ألفاً من عائلات «داعش»، وفق تقديرات الأمم المتحدة التي تقول إن هذا المخيم وحده، يضم نحو 7000 عائلة عراقية، و6500 عائلة سورية، ونحو 10000 من عائلات المقاتلين الأجانب، ويبعد فقط عن الحدود العراقية نحو 13 كلم، وزاد من هذا التحدي أن أغلب الدول التي لها عائلات وأطفال تتبع ل«داعش» ترفض استلامهم من «مخيم الهول»، خوفاً من أن تمثل عودة هؤلاء إلى بلادهم، دافعاً وزخماً جديدين للتنظيمات الإرهابية وشديدة التطرف، فعلى سبيل المثال كانت فرنسا أكثر الدول الأوربية التي خرج منها مقاتلون انضموا إلى «داعش» في ذروة انتشار التنظيم في سوريا والعراق خلال الفترة من 2014 وحتى 2017، لكن باريس تخشى من عودة عائلات «الدواعش» إلى فرنسا حتى لا يشكل وجودهم على الأراضي الفرنسية، حافزاً جديداً للخلايا الإرهابية في البلاد التي ما تزال تعاني انتشار الجماعات المتطرفة، وكان آخرها حادث طعن الأطفال في أنيسي جنوب شرق فرنسا في 8 يونيو/ حزيران الماضي، كما أن الكثير من الدول الأوربية وضعت «تشريعات خاصة»، تسمح لها بتجريد زوجات «الدواعش» وأطفالهم من الجنسية حتى تتخلص من أي أعباء أو مطالبات قانونية أو أممية، فهل ما يجري في «مخيم الهول» هو «طبعة جديدة» من تنظيم «داعش» الذي يتمدد في إفريقيا والقوقاز وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا؛ بل في أوروبا نفسها، بعد أن كشفت المفوضية الأوربية أن هناك جيلاً جديداً من المتطرفين في أوروبا يصل عددهم إلى نحو 50 ألف متشدد؟ وما هي الخيارات المتاحة أمام سوريا والعراق، للتخلص من هذا الخطر على الأمن القومي العربي بأكمله؟

الصورة
1

مخيم الهول

هو أكبر مخيم يضم بقايا عائلات «داعش» سواء زوجات الإرهابيين أو الأطفال الذين أنجبوهم من هؤلاء النسوة أثناء ارتكابهم لكل الجرائم بحق الشعبين السوري والعراقي، وعلى الرغم من أن تأسيس «مخيم الهول»، نسبة إلى مدينة الهول القريبة من الحدود السورية مع العراق، تم في تسعينات القرن الماضي بعد حرب الخليج الثانية، فإنه تحول إلى ملاذ للكثير من العائلات العراقية مع بدء سيطرة «داعش» على مناطق شمال غرب العراق وشرق سوريا، وعلى الرغم من وجود عشرات المخيمات على جانبي الحدود العراقية والسورية يصل عددها فقط في منطقة كردستان العراق إلى نحو 28 مخيماً، فإن «مخيم الهول» هو الأكبر والأخطر في العالم، لأنه يضم نساء «داعش» المتشددات، وهو ما يشكل علامة على قدرتهن على توجيه أطفالهن نحو الفكر المتشدد، ووفق بيانات الأمم المتحدة ووسائل الإعلام التي زارت المخيم، فإن النساء والأطفال في المخيم باتوا «أشد تطرفاً» من جيل «داعش» الذي تم القضاء عليه، ويعود هذا الأمر إلى الظروف القاسية التي يتم احتجاز أطفال ونساء «الدواعش» فيها، فرؤية الأمم المتحدة تقول إن هؤلاء «ضحايا»، ويجب التعامل معهم من هذا المنطلق عبر إعادتهم إلى دولهم، ودمجهم من جديد في مجتمعاتهم.

وتعتقد كل مؤسسات الأمم المتحدة، أن البيئة التي يقوم عليها مخيم الهول تشجع على الكراهية والتطرف والعنف، لكن الكثير من الدول بما فيها بعض الدول العربية، وبعد نقاش وحوار داخلي، قررت عدم استقبال عناصرها من «مخيم الهول» وغيره من المخيمات التي تضم نساء وعائلات «داعش» في سوريا والعراق، بينما كانت روسيا ودول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز أكثر الدول التي استعادت الأطفال والنساء على دفعات متتالية، ورؤيتها تقوم على أن استعادة أطفال ونساء «الدواعش» يهدف إلى حرمان القواعد الأيدلوجية ل«داعش» فى آسيا الوسطى في توظيف قضية المعتقلين في «مخيم الهول» لمصلحة تجنيد وتعبئة المزيد من العناصر الإرهابية خدمة لما يُسمى بتنظيم «ولاية خرسان» في آسيا الوسطى.

الصورة
1

السيناريو العراقي

على الرغم من التجربة المريرة التي مر بها العراق مع تنظيم «داعش»، وعلى الرغم من تأكيد الكثيرين أن جزءاً كبيراً من العراقيين في «مخيم الهول» أياديهم ملطخة بالدماء، ويعدون شديدي الخطورة، وأنهم لم يغادروا «ساحة التشدد» أو «السلوك العنيف»، فإن بغداد وضعت خطة متكاملة، لإعادة العراقيين من «مخيم الهول» الذي يشكل فيه العراقيون نحو 50%، ونجحت من خلال هذه الخطة في إعادة نحو 1369 عائلة عراقية من «مخيم الهول»، جرى بالفعل دمج نحو 600 عائلة منهم خلال العامين الماضيين، وترى العراق أن هذا يعد تحدياً كبيراً، لكنها تهدف إلى حرمان تنظيم «داعش» من تهريب العديد من النساء والفتيان من «مخيم الهول» للعمل مع التنظيم في العمليات الإرهابية، فقد نجح التنظيم المتطرف ومن خلال الرشى والتهديد في تهريب العشرات من عناصره التي كانت نشطة وتعمل داخل «مخيم الهول»، ويقوم السيناريو العراقي في التعامل مع هذا التحدي على مجموعة من العناصر؛ وهي:

أولاً: خلق حوار وطني في كل محافظة أو منطقة خرجت منها عائلات «الدواعش»، والهدف من ذلك ضمان أن يتم دمج هؤلاء بسهولة ويسر، وأيضاً مراقبة سلوكهم بعد العودة من سوريا، وتقوم الدولة العراقية بالتواصل مع شيوخ القبائل والعشائر التي ما زالت ترفض عودة أطفال ونساء «الدواعش» إلى مناطقهم، وهناك لجنة من كبار مشايخ القبائل العراقية، تعمل على بناء وترميم «السلم الأهلي» الذي تأثر سلباً بوجود عائلات هؤلاء في صفوف «داعش».

ثانياً: هناك فريق عراقي متخصص يبحث عن النساء المختطفات في المخيم، فكل المعلومات التي نشرتها المؤسسات الحقوقية ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تقول: إن النساء في «مخيم الهول» تتعرض لضغوط كثيرة؛ منها تهديد النساء الأخريات في المخيم التي ما زالت موالية ل«داعش»، وترفض خروج أي عائلة عن الفكر المتطرف، ويمكن قتل أي أمرأة لو عبرت عن رفضها لفكر «داعش» في المخيم، وهناك تقديرات أممية تقول إنه جرى في السنوات الماضية خطف وقتل عشرات النساء اللاتي رفضن التعاون مع «داعش» من جديد، وكانت ترغب في بدء حياة جديدة خارج المخيم.

الصورة
1

ثالثاً: إعادة ودمج الأطفال والنساء من «مخيم الهول» في مناطقهم الأصلية، ونجح السيناريو العراقي بالفعل من خلال 9 دفعات خلال العامين الماضيين في إعادة ودمج الآلاف منهم في مناطقهم التي خرجوا منها، بمساعدة الوزارات والمؤسسات الحكومية المتخصصة.

رابعاً: وضع إطار قانوني وأخلاقي، لإعادة العراقيين من «مخيم الهول» عن طريق محاكمة كل من تلوثت أيديهم بالدماء، أما الأطفال والنساء ومن يقبل ببرنامج «الاندماج المجتمعي»، فيمكنه العودة، وبهذه الطريقة تم دمج نحو 600 عائلة عراقية، وتقول كل المؤشرات، إن هذا السيناريو ناجح جداً، لأنه لم تسجل خلال العامين الماضين منذ أن بدأ هذه البرنامج عودة كبيرة من أطفال وعائلات «الدواعش» إلى سلوك التنظيم المتطرف، وخير دليل على صواب الرؤية العراقية في هذا الملف، هو نجاح بغداد في إغلاق مخيم «الجدعة 5» في العراق، كما أن العراق سبق له أن نجح في تسوية جميع النازحين في الداخل، ما عدا الذين في إقليم كردستان العراق.

الزمن لمصلحة التطرف

عندما تمت هزيمة «داعش» في آخر معاقله في قرية الباغوز السورية، وأعلن التحالف الدولي لمكافحة «داعش» في سوريا والعراق هزيمة التنظيم كان نحو 50% من الأطفال في المخيم، تقل أعمارهم عن 12 عاماً، لكن حالياً أصبح 50% من عناصر المخيم تقل عن 18 عاماً، وهذا يعني أن كل يوم يمر دون عودة هؤلاء إلى دولهم ودمجهم بمجتمعاتهم، فإن هناك مزيداً من الخطر في تحول هؤلاء إلى «الدواعش» كحال آبائهم.

ولهذا هناك مجموعة من الخطوات لمعالجة سريعة لهذه القضية؛ ومنها:

1- «محاكمة خاصة»، ويجب أن تكون ذات قوانين خاصة تراعي الخصوصية التي يتسم بها عناصر «مخيم الهول»، خاصة أن هناك الآلاف الذين لم يختاروا العنف بحريتهم؛ بل ورثوا العنف نتيجة للبيئة المحيطة والتي عاشوها في كنف أكثر التنظيمات الإرهابية تطرفاً، وأن محاكمة هؤلاء يمكن أن تحفز الدول التي خرجوا منها خاصة عائلات «الدواعش» من خارج سوريا والعراق، لاستعادتهم؛ لتنفذ محكوميتهم فقط في سجون دولهم.

2- دعم أممي، على الرغم من أن «مخيم الهول» هو مخيم أمني بامتياز، وتشرف عليه «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم من قوات التحالف، فإن الأمم المتحدة تشارك في إدارته، ولهذا يمكن وضع رؤية أممية يتم التصويت عليها في الأمم المتحدة، وتكون تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حتى يكون قراراً ملزماً لجميع الدول التي لها أطفال ونساء في «مخيم الهول» لاستعادتهم، مع ضرورة أن تتضمن الرؤية الأممية، الدعم المالي واللوجستي للدول ذات الإمكانات المالية الضعيفة حتى تكون قادرة على إعادة هؤلاء سواء للدمج أو استكمال محكوميتهم.

3- في حال تعذر وجود «محاكمة خاصة» أو التصويت في مجلس الأمن على «رؤية دولية» موحدة للتعامل مع ملف «مخيم الهول»، يمكن فقط للأمم المتحدة أن تحدد «خريطة طريق» بإطار سياسي وقانوني ومالي لاستعادة هؤلاء وعودتهم إلى دولهم.

المؤكد أن كل يوم يمر على الأوضاع القاسية التي يعيشها أطفال ونساء «داعش» في «مخيم الهول» يقربنا من نسخة وطبعة جديدة من التنظيم الإرهابي، قد تكون أشد تطرفاً وأكثر فتكاً من «داعش» الذي أسسه البغدادي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ppsy7yu

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"