أزمة لبنان التاريخية

00:32 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

منذ إعلان «دولة لبنان الكبير» عام 1920، مروراً بإعلان استقلاله عام 1943، وصولاً إلى الآن، لم يشهد لبنان استقراراً حقيقياً إلا لفترات قصيرة، وقد تخللت هذه الفترة الممتدة لأكثر من قرن أزمات سياسية متتالية، تخللتها حروب أهلية كما حصل العام 1958، ثم الحرب الأهلية التي امتدت من العام 1975 حتى العام 1990.

 نحن الآن أمام فراغ رئاسي منذ أشهر، فلم يتمكن مجلس النواب على مدى 12 جولة انتخابية من انتخاب رئيس جديد خلفاً للرئيس السابق ميشال عون، وسط أزمة اقتصادية واجتماعية ومالية خانقة، بحيث أصبح الفراغ صفة ملازمة للنظام اللبناني، إذ تكرر هذا الشغور في نهاية عهد أمين الجميل، ثم في أواخر عهد إميل لحود، ثم في نهاية عهد ميشال سليمان، وهو يتكرر الآن.

 تكمن المشكلة الأساسية في أن قيام الكيان اللبناني كان محصلة اتفاقات بين طوائف وزعامات سياسية عائلية وليس على قيام وطن يجمع بين أركانه مكونات مجموع مواطنيه خارج الانتماءات الطائفية والمذهبية، ووطن يقوم على مؤسسات خارج المحاصصة الطائفية، لذلك كانت الأزمات تتوالى في سياق ما يعرف بالميثاق الوطني غير المكتوب، وصار عرفاً خارج النص الدستوري. 

 بعد اتفاق الطائف الذي وضع نهاية للحرب الأهلية، كان واضحاً أنه أصبح جزءاً من الدستور، وهو على كل حال لم يقدم حلاً فعلياً للأزمة، لأن هناك صعوبة في تنفيذه لجهة إلغاء الطائفية السياسية، وإجراء انتخابات خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس للشيوخ؛ ذلك أن القوى الحزبية الطائفية المتحكمة بمفاصل الدولة لا تجد في تطبيقه مصلحة لها، ولذلك عمدت على مدى 23 عاماً إلى المماطلة في إجراء أية إصلاحات تتعلق بتنفيذ البنود التي تنتقص من دورها أو تحد من نفوذها وسطوتها السياسية. لذلك ظلت القوانين الخاصة بإلغاء الطائفية السياسية في الأدراج. 

 إن أزمة الشغور الرئاسي جزء من أزمة عامة، مثلها مثل الأزمات الاقتصادية والمالية والفساد التي تنخر مختلف مؤسسات الدولة، أو تلك المتعلقة بنهب المال العام والسطو على أموال المودعين في المصارف.

 إنها أزمة بنيوية ممتدة وعصية على العلاج في ظل منظومة سياسية وطائفية تمسك بكل مفاصل الدولة والدستور، وبات من الصعب في ظل الوضع الحالي اقتلاعها أو التخفيف من وطأتها.

 إضافة إلى كل ذلك لم يحصل في تاريخ لبنان أن تم اختيار رئيس للجمهورية من دون تدخل إقليمي أو خارجي، أو كان للخارج دور في انتخاب الرئيس، لأن القوى السياسية اللبنانية كانت تعجز عن الاتفاق، أو لأن ارتباطها بالخارج كان يحد من حريتها وبالتالي كانت رهينة لهذا الخارج في رهاناتها السياسية. 

سوف يبقى لبنان كذلك، طالما أن نظامه طائفي، وطالما أن أحزاب الطوائف ممسكة برقاب الوطن والمواطن إلى ما شاء الله. وسوف يمتد الفراغ الرئاسي ومعه الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/39hbfwzd

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"