عادي
بروفايل

ألكسندر لوكاشينكو.. «قاهر الذئاب»

01:39 صباحا
قراءة 4 دقائق
لوكاشينكو

د. أيمن سمير

تختلف أو تتفق معه، لكنك لا يمكن إلا أن تصفق له، فرغم كل الأنواء المحيطة، والثورات البرتقالية والوردية في الجوار، ورغم كل «ألسنة اللهب» التي تشتعل شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، إلا أنه ظل على الدوام هو «صمام الأمان والاستقرار» لبلاده منذ الاستقلال، كان شاهداً على انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، فظل يعمل ليل نهار حتى يحافظ على وحدة وسلامة بلاده من التشظي، أو الانقسام، إيمانه بالوحدة جعله يبدأ مفاوضات لتوحيد بلاده مع روسيا الاتحادية تحت مسمى «دولة الاتحاد» منذ اليوم الأول لدخوله القصر الجمهوري في بيلاروسيا.

يسكن في قصر على الطراز الستاليني الذي يقع في ميدان أكتوبر، في عاصمة بلاده، محاطاً بشوارع عظماء الحقبة الاشتراكية، مثل شوارع كارل ماركس، وفريدك إنجلز، وكومسومول، وهو بذلك يعيش في قصر على طراز البيت الأبيض، تحيط به شوارع تسير فيها قوات الشرطة فقط،

الجميع كان يعرف مهاراته السياسية والدبلوماسية، لكن قدرته على التوسط بين الدولة الروسية بمؤسساتها العميقة والمتشعبة مع متمردي شركة «فاغنر»، وإنهاء هذا التمرد قبل مرور 24 ساعة جعل الجميع يرفع له «قبعات الاحترام»، سواء في العالم الروسي الذي رأى في الرجل «قدرة فذه» و«نجاحاً كاملاً» في نزع فتيل حرب أهلية روسية، أو حتى الزعماء الغربيين الذين يتهمونه بأنه ينظم انتخابات لا ترقى للمعايير الغربية، حتى هؤلاء أبهرتهم القدرات الخيالية على إنهاء هذا التمرد من دون إراقة «قطرة دم واحدة»، ما يؤكد أن بقاءه في الحكم منذ عام 1994 ليس مصادفة، أو مجاملة.

إنه الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، الذي أنتخب رئيساً للبلاد منذ عام 29 عاماً، وظل يُجدد له من الشعب طوال السنوات الماضية، فقد عايش لوكاشينكو في الجوار الحرب الشيشانية، الأولى والثانية، كما رأى كيف اندلعت «الثورة الوردية» في جورجيا عام 2003، وما تمخض عنها من الحرب الروسية الجورجية عام 2008، وقبل، وأثناء كل ذلك تابع تفاصيل «الثورة البرتقالية» على حدود بلاده الجنوبية عام 2005 في أوكرانيا، ومن يومها لم تر أوكرانيا أي استقرار حتى عام 2014، وسيطرة الموالين للغرب على الحكم في كييف. ودعم لوكاشينكو الموقف الروسي في السيطرة على القرم عام 2014 بعد أن شاهد لوكاشينكو صديقة وزميله، فيكتور يانوكوفيتش، رئيس أوكرانيا الأسبق، والذي كان قريباً من روسيا، يتم طرده من الحكم على يد الموالين للاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، لذلك قرر أن تكون «خياراته واضحة»، و«انحيازاته كاملة»، مع روسيا، والكرملين، والرئيس بوتين.

تعامل لوكاشينكو بمهارة شديدة مع فصول الحرب الروسية الأوكرانية منذ بدايتها في 24 فبراير/ شباط 2022، فرغم الاتهامات الأوكرانية له بأن الهجوم بدأ من الحدود الأوكرانية البيلاروسية تجاه العاصمة كييف، إلا أنه استطاع أن يصوغ «معادلة خاصة» تجعله الأقرب للرئيس بوتين والدولة الروسية، وفي الوقت نفسه لا ينخرط في الحرب بشكل مباشر حتى الآن.

لوكاشينكو الذي استطاع أن ينهي تمرد «فاغنر» الذي كان في طريقه لموسكو خلال ساعات قليلة بات «محط أنظار» مراكز الفكر والأبحاث «الغربية التي أشادت» بخصاله الدبلوماسية الرفيعة، «و» مهاراته السياسية النابغة، التي ربما لم تتكشف حتى اليوم ثمارها التي لا تعد ولا تحصى، فاستقرار وسلامة روسيا ليس أمراً حيوياً لروسيا والروس فقط، بل هو أمر في غاية الحيوية لأمن واستقرار العالم، وفي المقدمة منه أوروبا والولايات المتحدة. وبشهادة وزير الخارجية الأمريكي، الأسبق هنري كيسنجر، فإن روسيا ظلت «محور استقرار أوروبا» 400 عام كاملة، ولو استمر تمرد «فاغنر»، واستعرت الحرب الأهلية، وتفتت روسيا التي تضم أكثر من 85 جمهورية ومقاطعة في 17.6 مليون كلم، ربما كان العالم أصبح عالماً آخر، ولهذا جاء الشكر والامتنان للرئيس البيلاروسي، لأن انفراط عقد الاتحاد الروسي الذي يحتل المرتبة الأولى في «النادي النووي» بأكثر من 6500 رأس نووي، كان يمكن أن يقود لهلاك العالم، وليس روسيا وحدها.

تحديات خاصة

تشكل الحرب الروسية الأوكرانية تحدياً خاصاً لروسيا البيضاء، ورئيسها لوكاشينكو، لعدد من الأسباب، أبرزها أن الغرب يرى في بيلاروسيا ورئيسها، شريكاً للرئيس بوتين في قرار الحرب على أوكرانيا، لكن ما يقلق بيلاروسيا أنها باتت محاطة بالأعداء من 3 جهات، ومن 3 دول أعضاء في «الناتو»، ففي الجنوب أوكرانيا التي تتحدث الأنباء كثيراً عن استعدادها لفتح جبهة جديدة مع بيلاروسيا، وفي الغرب نقلت بولندا العضو في حلف دول شمال الأطلسي «الناتو» الكثير من جنودها وعتادها إلى الحدود البيلاروسية، خاصة بعد أن وصلت مجموعات «فاغنر» إلى روسيا البيضاء، الشهر الماضي، لكن أيضاً في الشمال تخشى بيلاروسيا من وجود الآلاف من الجنود الأمريكيين والألمان والبريطانيين المرابطين في ليتوانيا ولاتفيا الأعضاء أيضاً في «الناتو»، ولهذا قرر لوكاشينكو مع الرئيس بوتين نقل «الأسلحة النووية» الروسية إلى بيلاروسيا في شهر يونيو/ حزيران الماضي، ورواية بيلاروسيا التي بلغ عدد سكانها 10 ملايين، 80 % منهم من الروس، ونحو 45 ألف مسلم من أصول تتارية، تعتمد على أن بيلاروسيا كانت دولة نووية حتى عام 1994 عندما وقعت مع أوكرانيا وكازاخستان على « اتفاقية بودابست» التي نزعت الأسلحة النووية من الدول الثلاث، وأن الأصول النووية ظلت كما هي من دون أن يتم نزعها من جانب الرئيس لوكاشينكو، حيث اتخذ الرئيس لوكاشينكو قراراً بعيداً عن أعين الغرب عام 1994 بعدم تدمير الأصول النووية، كما يعلن الرئيس البيلاروسي دائماً أن بلاده فعلت كما يفعل الغرب حيث تنشر الولايات المتحدة أكثر من 650 قنبلة نووية تكتيكية في قواعد الناتو القريبة من أراضي بلاده

والثابت أن تاريخ بيلاروسيا وموقعها الجيوسياسي بين إمبراطوريات قديمة وحديثة، مثل روسيا وبولندا ولاتفيا، التي كانت إمبراطوريات شاسعة في أزمنة سابقة، يجعل الرئيس البيلاروسي «الكسندر لوكاشينكو» في تحديات متواصلة، وكأنه «الراقص مع، أو قاهر مع الذئاب».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2spfcse9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"