لبنان والاختبار الأخير

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

مع اقتراب عودة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان المفترضة إلى لبنان في شهر سبتمبر المقبل، يبدو أن مساحة الخيارات بدأت تضيق أكثر فأكثر، مع الشكوك المتزايدة حول إمكانية نجاحه في اختراق جدار الأزمة، والتوصّل إلى توافق يُنهي الفراغ الرئاسي، ويخلّص لبنان من المأزق المستمر منذ شهور طويلة، ويُعيده إلى الحياة بدلاً من الانحدار أكثر فأكثر إلى قعر الهاوية.

فالمبعوث الفرنسي لم يتلقّ حتى الآن أي أجوبة عن رسالته الموجهة إلى رؤساء الكتل النيابية اللبنانية، والتي تضمّنت بعض الأسئلة المتعلقة بمواصفات الرئيس وأولويات مرحلة ما بعد انتخابه، والتي يُفترض أن تكون مدرجة على طاولة لقاءاته، ما يضفي مزيداً من الغموض على مهمة لودريان، وربما يدفعه إلى الانتظار قليلاً ريثما تنضج بعض الحوارات الجانبية بين بعض الأطراف اللبنانية، والتي قد تدفعه إلى تعديل خططه، كونه لا يستطيع تجاهلها إذا قُدّر لها النجاح.

ورغم إجماع الأطراف اللبنانية على تقدير الجهود والمساعي التي يبذلها لودريان من أجل حل الأزمة فإن هذه المساعي باتت تواجه الكثير من الشكوك التي تصل إلى حد الرفض من جانب بعض أطراف المعارضة ومن القوى السيادية و«التغييرية»، لأسباب متعددة، بعضها يتعلق بمخاوف من إحياء المبادرة الفرنسية التي تدعم في الأساس وصول رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية إلى سُدة الرئاسة.

ومنشأ هذه المخاوف، كما تقول المعارضة، رسالة الأسئلة التي وجّهها المبعوث الفرنسي إلى النواب اللبنانيين بمعزل عن أطراف اللقاء «الخماسي» المعنية بحل الأزمة، ولأن الأسئلة التي وردت فيها ليست بعيدة عما جاء في اللقاء الخماسي الأخير في الدوحة، الذي حدّد مواصفات الرئيس دون الدخول في أسماء المرشحين للرئاسة، الأمر الذي يُسقط عملياً المبادرة الفرنسية التي تتبنّى خيار رئيس تيار «المردة»، وهو ما طرح مضمونه لودريان، بصفته ممثلاً عن الدول الخمسة، في زيارته الثانية، على القوى اللبنانية، وفي ضوئها أمهل لودريان الأطراف اللبنانية لبلورة مواقفها حتى سبتمبر المقبل. وبالتالي فقد ظهر الكثير من الأصوات اللبنانية المعارضة، التي تتساءل عما إذا كان لودريان يرغب في رسالته إلى النواب بتعديل سقف ما ورد في اللقاء الخماسي، وبعضها يذهب إلى اعتبار رسالته نوعاً من التعدي على السيادة اللبنانية. لكن الشيء الذي لا تريد أن تتقبله القوى المعارضة هو أن رسالة لودريان جاءت بالتنسيق مع أطراف اللقاء الخماسي وليس بمعزل عنه كما تؤكد مصادر لبنانية وفرنسية.

وسط كل هذه التعقيدات، لا يبدو في الأفق ما يشير إلى إمكانية حدوث توافق قريب بين الأطراف اللبنانية، بل على العكس من ذلك، يبدو أن الخلافات القائمة لا تتعلق بمواصفات الرئيس بقدر ما تكمن المشكلة الحقيقية في مكان آخر. ولكن ماذا لو فشلت مهمة لودريان التي اعتُبرت الاختبار الأخير للبنان؟ من المؤكد أنها ستضع البلاد أمام مفترق طرق خطير، فإما أن يسود الاحتكام إلى التوافق والتعايش، وإما أن يكون البديل إغراق لبنان في المزيد من الانهيارات والذهاب إلى أزمة مفتوحة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc73ty9c

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"