سنة أولى فراغ

00:26 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. خليل حسين

عدة أيام ويتمم لبنان سنة من فراغ رئاسي غير مسبوق بنتائجه وتداعياته، كما حجم الضغوط التي تمارس فيه وعليه للخروج من أزماته المتلاحقة. أنهى الرئيس إميل لحود ولايته بفراغ، ما لبث أن ملأ المركز الرئيس ميشال سليمان لكنه أنهى ولايته بفراغ أوصل الرئيس ميشال عون، ومذاك لا زال الفراغ القاتل هذه المرة يشكل تحدياً من نوع آخر يلامس أسس الكيان. وإذا كانت الفراغات السابقة قد مرت بأزمات من أنواع الحكم أو المشاركة أو غيرهما، فإن الفراغ الحالي لم يعد من النوع الذي بات مألوفاً في الحياة السياسية اللبنانية، وإنما اختلط وامتزج هذه المرة بمعطيات ووقائع لا طاقة للبنانيين بتحملها أو القدرة على التغيير فيها ولو جزئياً.

معظم المراكز الحساسة في مؤسسات الدولة المالية والأمنية والقضائية تُدار اليوم بالإنابة، وقريباً ستمتد الفراغات إلى مواقع لا تُحتمل، وسط شلل تام في الحراك الداخلي والدولي المتصل بانتخابات الرئاسة. فبعض الوساطات ومنها الفرنسية وضعت جانباً في وقت تشكل اللجنة الخماسية نوعاً من تقطيع الوقت المميت في ظل غياب مبادرات قابلة للحياة أو أقله البناء عليها، وذلك في ظل تداخل أزمات مستجدة أو إحياء البعض منها وربطها بشكل أو بآخر بالمعطيات الرئاسية القائمة. ثمة حراك قطري برضى الأمريكي ويستبعد الفرنسي، وسط واقع حذر لا يجرؤ أحد فيه على القيام ولو بخطوات محدودة، بانتظار تحريك ملفات أكثر شمولاً وأكثرها فعالية للاستثمار في الواقع اللبناني والإقليمي. ومن أبرز الملفات الخطرة المثارة حالياً، ملف النازحين السوريين في لبنان خاصة الأعداد المتداولة حالياً، علاوة على نوعية المواقف والتصريحات التي تدلي بها الهيئات الدولية والأوروبية وغيرها حول عدم تأييدها لعودة النازحين إلى سوريا وإبقائهم في لبنان، وتقديم المساعدات لهم وعدم التشجيع على عودتهم.

وثمة من يشير بوضوح إلى أن ما يجري هو عمليات توطين بأطر غير شرعية تقوم بها منظمات دولية غير شرعية عبر وسائل وأساليب متعددة، والأخطر من ذلك الأعداد التي تستجلب للداخل اللبناني يومياً، علاوة على نوعيتها لجهة الهرم العمري وغالبيتهم من فئة الشباب المدربين عسكرياً، إضافة إلى عمليات مصادرة الأسلحة الثقيلة من مخيمات النازحين التي باتت ظاهرة يومية معتادة. وثمة من يشير في هذا السياق إلى ربط عمليات إدخال النازحين إلى لبنان بموضوع الوصول إلى الرئاسة، وهذا ما يشار إليه بشكل علني وواضح. وفي أي حال من الأحوال يشكل هذا الملف المعقد بيئة قابلة للتفجير الأمني والعسكري في أي وقت. لقد أدى استمرار الفراغ الرئاسي إلى مجموعة من الأزمات المتصلة، كالفراغات في المؤسسات التي بدأت تنهار وتتحلل وسط مخاطر وجودية، كالفقر والعوز وتفشي الجريمة المنظمة وشيوع مظاهر الإجرام غير المسبوق، وانتشار ثقافات وعادات غير معتادة في المجتمع اللبناني، كالقتل ذبحاً والسلب وانتشار مظاهر الاغتصاب والشذوذ وغيرها من الآفات الاجتماعية التي باتت تهدد مجتمعات بأكملها. باختصار ثمة مراكمة من الويلات التي لم يعرفها المجتمع اللبناني في تاريخه المعاصر حتى في عز أزماته الداخلية.

بالمحصلة يكاد يتم لبنان سنته الأولى من فراغ أتى على معظم مظاهر مؤسسات الدولة الحيوية، وبات اليوم مكشوفاً ومتروكاً لقدره. فتعداد النازحين سيصبح قريباً موازياً لتعداد اللبنانيين، والفقر المدقع حصد معظم العائلات اللبنانية ومداخيلها المتواضعة، وسط منافسة شديدة وشرسة على أقل مقومات البقاء بين النازحين والمواطنين اللبنانيين. إنه التأزم المتواصل الذي سينتج عنه قريباً، وهذه المرة ليس انفجاراً معيشياً أو مالياً اقتصادياً، إنما انفجار أمني عسكري سيأتي على اليابس واليابس بعدما ذهب الأخضر بعيداً منذ زمن، والباقي أعظم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4hvb6f94

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"