تحقيق: راندا جرجس
يلعب نظام الغدد الصماء دوراً محورياً في تنظيم المزاج والنمو والتطور ووظيفة الأنسجة والتمثيل الغذائي والإنجاب في الجسم، وتعد الغدة النخامية التي تتخذ شكل الكمثرى وتقع داخل الجمجمة في منطقة قاعدة الدماغ مباشرة تحت المهاد وخلف الأنف، الجزء الأكثر أهمية في نظام الغدد الصماء، وغالباً ما يطلق عليه «المايسترو»، لأنها تنتج الهرمونات التي تتحكم في العديد من الغدد الأخرى وتوزعها، وتنقسم إلى قسمين: الفص الأمامي الذي يُشكل 80% من وزن الغدة وينظم نشاط الغدة الدرقية والغدة الكظرية والغدد التناسلية، والفص الخلفي.
تتمثل وظيفة الغدة النخامية في إفراز العديد من الهرمونات التي تتحكم في عمليات الجسم الحيوية، وتعد جزءاً أساسياً من أجزاء الجهاز الصمّاوي المسؤول عن إفراز الهورمونات الرئيسية، ومن بينها: هرمون البرولاكتين الذي يعزز إنتاج الحليب لدى السيدات في فتة الرضاعة، وهرمون النمو الذي يحفز نمو العظام والأنسجة الأخرى، ويلعب دوراً مهماً في معالجة الجسم للمواد المغذية والمعادن، وهرمون الثيروتروبين الذي ينشط إفراز هرمونات الغدة الدرقية، وهرمون الكورتيكوتروبين الذي يحفز إنتاج هرمونات الغدة الكظرية، إضافة إلى المواد الكيميائية الأندورفين التي تعمل على تقليل حساسية الألم للجهاز العصبي.
ولذلك فإن حدوث أي خلل في الغدة النخامية يؤثر سلباً في ضغط الدم، والوزن، والنمو، وجهاز التكاثر، وعلى الرغم من أن غالبية أورام النخامية حميدة، ولا تقتحم الطبقات القريبة منها ولا تنتقل إلى الأعضاء البعيدة، فإنها تعيق إفراز الهرمونات بشكل سليم، وفي السطور القادمة يسلط الخبراء والاختصاصيون الضوء على هذا الموضوع تفصيلاً.
فحوص واختبارات
يقول د. تينكو خوسيه استشاري جراحة الأعصاب: إن أورام الغدة النخامية من المشكلات المرضية الأكثر شيوعاً، هو ورم غدي ناتج عن طفرة جينية في الخلية وينمو بشكل غير طبيعي ينشأ من النخامية، وعلى الأغلب تكون حميدة (غير سرطانية) وبطيئة النمو، أو تحدث الإصابة نتيجة لوجود بعض الأسباب الأخرى مثل: وجود الورم الدبقي، أو الورم السحائي وغيرها.
ويضيف: تُصنف أورام الغدة النخامية بناء على حجمها، فالأورام الغدية الدقيقة تكون أصغر من 1 سم، وفيما فوق يُطلق عليها الأورام الغدية الكبيرة، أو بحسب إنتاج الهرمونات الزائدة.
ويشير د.خوسية إلى أن تشخيص أورام الغدة النخامية يتم عن طريق الفحص السريري، بما في ذلك رسم المجال البصري، فحص الدم والبول لهرمونات البرولاكتين، اختبارات وظائف الغدة الدرقية، وهرمون النمو، والكورتيزول، والتصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ مع التباين.
ويؤكد أن مضاعفات الإصابة بأورام الغدة النخامية تتمثل في: المشاكل البصرية، والفقدان الجزئي أو كلي للرؤية، ومرض السكري الكاذب الذي يحدث بسبب نقص أو إنتاج هرمون «أرجينين فاسوبريسين» الذي تفرزه النخامية ويلعب دوراً رئيسياً في تنظيم كمية السوائل في الجسم وهو الهرمون المتحكم في إدرار البول، وزيادة هرمون النمو، داء كوشينغ الناجم عن زيادة الكورتيكوتروبين- الكورتيزول، وزيادة البرولاكتين، وبالتالي العقم وهشاشة العظام، وسكتة الغدة النخامية التي تظهر على شكل نزيف مفاجئ داخل الورم، يمكن أن تسبب فقدان البصر المفاجئ والصداع الشديد.
خيارات
يوضح د. محمد نور الدين، أخصائي الدماغ والعمود الفقري، أن أورام الغدة النخامية يمكن أن تصيب جميع الأشخاص من مختلف الأعمار، لكنها تظهر على الأكثر بين الفئات الأصغر سناً من الشباب، وتعد أبرز مخاطرها هو التسبب بعيوب في المجال البصري ناجمة عن التصالبة البصرية أو الضغط على العصب البصري، إضافة إلى قصور الغدة النخامية نتيجة تعرضها للضغط، إلى جانب أن الورم النخامي قد يفرز كمية كبيرة غير طبيعية من هرمون معين، ما يؤدي إلى آثار سلبية مع مرور الوقت.
يشير د.نور الدين إلى أن الخيارات العلاجية لأورام الغدة النخامية تتمثل في الاستئصال الجراحي للورم، الذي يتم عن طريق التنظير الأنفي، وهناك طرق تداوي أخرى تناسب أنواعاً محددة من الأورام، وحجمها ومدى نموها وانتشارها في الأنسجة المحيطة في الدماغ وحالة المريض الصحية وعمره، وبشكل عام، يستخدم الأطباء الجراحة والعلاج الإشعاعي والأدوية في علاج الأورام النخامية. وهناك بعض الأنواع من الأورام النخامية، مثل الورم البرولاكتيني، تستجيب للعلاج الطبي بشكل جيد تحت المتابعة الوثيقة، وتجدر الإشارة إلى أن الورم النخامي يمكن أن أن يظهر مجدداً، نتيجة عوامل مختلفة. ولكن في حال تمت إزالته بشكل كامل، فإن فرص نشأته مرة أخرى غير محتملة. ومع ذلك، يحتاج جميع المرضى للمتابعة الطبية بعد العملية الجراحية.
نتيجة
يقول د. فضل الدوري، استشاري الطب الباطني والغدد الصماء، إن قصور الغدة النخامية يحدث في اغلب الحالات نتيجة الاستئصال الجراحي لورم النخامية والغدد وتشتيت المناعة الذاتية وعدوى الورم الحبيبي والنقائل الثانوية، وتظهر الأعراض على درجة نقص الإنتاج ومدى تأثيره في الغدد الأخرى، مثل: قصور الغدة الدرقية ونقص الغدد التناسلية ونقص الغدة الكظرية وفرط برولاكتين الدم، ويتم تشخيص هذه الحالة عن طريق فحص هرمونات الغدة النخامية، ومصل الكورتيزول.
يذكر د.الدوري أن مضاعفات قصور الغدة النخامية يعتمد على سبب الإصابة، حيث إن الورم الكبير، يؤدي إلى التصدع البصري ومشكلات الرؤية، أما فرط برولاكتين الدم فيمكن أن يتسبب في سكتة الغدة النخامية.
ويتابع: يعتمد العلاج على إزالة الورم النخامي خلال إجراء جراحي، ثم استبدال الهرمونات الناقصة في الغدد المستهدفة مثل الثيروكسين لقصور الغدة الدرقية، الكورتيزول لهرمونات الغدة الكظرية والهرمونات الجنسية لنقص الغدد التناسلية.
أبحاث ودراسات
تُشكل أورام الغدة النخامية نحو 15٪ من كافة الأورام التي تصيب المخ، ونسبة 25٪ من أورام المخ «غير المسرطنة»، ووجدت الأبحاث العلمية أن أورام الغدة النخامية يمكن أن تستهدف جميع الفئات العمرية، لكنها تنتشر على الأكثر بين الأشخاص من عمر 30 إلى 60 سنة، ومن النادر جداً أن تصيب الأطفال، وكشفت دراسات التصوير الحديثة أن أورام الغدة النخامية تصيب نحو 1/4 إلى 1/5 من عامة السكان، حيث تُصنف هذه الأورام ضمن قائمة الأمراض الصامتة سريرياً، التي لا يصاحبها أو ينشأ معها أي أعراض ظاهرة عند حدوث الإصابة، لكن تظهر العلامات لاحقاً في المراحل المتقدمة، وتتسم بأنها بطيئة النمو بدرجة كبيرة.