ضرورة إعادة «هندسة» مفاوضات المناخ

21:57 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

هل الهياكل التنفيذية والإدارية والفنية الحالية المعنية بقضايا تغير المناخ، والتي يعود إنشاء معظمها إلى التواريخ الأولى لمأسسة قضية المناخ كقضية أمن بيئي عالمي في عام 1992، ما زالت تفي بالغرض الذي أُنشئت من أجله؟ أم إنها بحاجة إلى إعادة نظر وإدخال تعديل أو تطوير (أو حتى تغيير) على بعضها من أجل تجاوز البطء الحاصل في عملية اتخاذ القرار والبطء في تنفيذه أيضاً؟

معلوم أن «مؤسسة» تغير المناخ العالمية، بالغة الضخامة والتعقيد. ربما فاقت ضخامتها وتعقيداتها ضخامة وتعقيدات العمل المؤسسي الجاري في منظمة التجارة العالمية. صحيح أن هياكلها التنظيمية والإدارية والتنفيذية تشكل جزءاً لا يتجزأ من منظومة مؤسسات وعمل منظمة الأمم المتحدة، إلا أن هذا الواقع بدلاً من أن يشكل مزية إيجابية لعمل مؤسسات تغير المناخ صار يشكل عبئاً عليها، وذلك بسبب فوضى عمل وروتينية المنظمة الأم نفسها الطاردة لأي محاولة للإصلاح والتطوير. وهذا ما يفسر التعقيدات المصاحبة لعملية صناعة القرار داخل أطر مؤسسة المناخ الأممية.

هل هذا يعني أن الحاجة باتت ملحة لإعادة النظر في الأطر التنظيمية والإدارية والتنفيذية للبناء المؤسسي لتغير المناخ، من أجل تذليل جانب من العقبات الفنية والتنظيمية والإدارية التي تعوق التقدم السلس للمفاوضات ولمرونتها، وزيادة كفاءة عمل جولات التفاوض؟ ربما، فقد يجد المفاوضون مخارج مناسبة لانسداد طرق التفاوض في أكثر من قضية، كبيرة كانت أو صغيرة.

من واقع الخبرات المتراكمة للوفود المشاركة في المفاوضات، نتوقع أن تكون الأسئلة المثارة حول هذا الموضوع كثيرة. الدول الأوروبية التي تدفع بقوة نحو التقدم بسرعة في المفاوضات وفقاً لرؤيتها الخاصة، المتمثلة في تركيز الجهد العالمي على التخفيف Mitigation، أي خفض الانبعاثات بما يترتب عليه من تكاليف إنتاجية باهظة للغاية ومرهقة لاقتصادات الدول، لا سيما النامية، وتملّصها بقدر الإمكان من الالتزامات المالية التي رتبتها عليها نصوص اتفاقيات المناخ (بروتوكول كيوتو لعام 1997، وتعديل الدوحة Doha amendment، أي تمديد أجل بروتوكول كيوتو حتى عام 2020 بسبب إخفاق الدول المتقدمة في الوفاء بالتزاماتها الخاصة بخفض الانبعاثات، واتفاق باريس لعام 2015).

هذه الدول طرحت من قبل رؤيتها الخاصة لكيفية إعادة هندسة العمل المؤسسي المناخي. ومن أبرز ما جاء في توصياتها: تبسيط برنامج سكرتارية الأمم المتحدة المعنية بتطبيقات اتفاقيات المناخ، وتقليص عدد جلسات المفاوضات، وإزالة التداخلات في عمل الهيئات المتخصصة ولجان التفاوض، وتقليص بنود جداول أعمال الاجتماعات.

طبعاً هذه مقترحات لها أبعاد مختلفة ومهمة على صعيد صناعة واتخاذ القرار، أي أنها تتعلق بقضايا لا يستطيع أن يبت فيها سوى المستوى السياسي (الوزراء المعنيين)، وربما الاجتماعات العالية المستوى (على مستوى القادة).

كما أن تقليص حجم عمل الهيئات واللجان وجداول الاجتماعات، وتقليص عدد اجتماعات وجلسات التفاوض (بل حتى طريقة إدارتها) تبدو في الظاهر اقتراحات وجيهة تستأهل الدراسة. لكن تطبيقها سوف يحتاج إلى فترة تجريبية للتأكد من أنها تزيد كفاءة العمل ومخرجاته، ولا تؤدي إلى الإخلال بالتوازن بين مكونات قضايا المناخ الرئيسية (التخفيف والتكيف والتمويل على نحو خاص)، ولا إلى تغليب طرف تفاوضي على حساب أطراف أخرى.

ومن ضمن إعادة هندسة التدابير الفنية والإدارية والإجرائية لمفاوضات المناخ يطرح الأوروبيون أيضاً فكرة إبعاد المفاوضين الدبلوماسيين (يشارك الدبلوماسيون المعتمدون، في العادة، في كافة مستويات التفاوض)، عن عمل الهيئات المتخصصة، وقصر عضويتها والمشاركين فيها على المفاوضين المحترفين المتخصصين في قضايا المناخ.

لكنهم في المقابل، يرفضون التخلي عن مبدأ الإجماع في اتخاذ القرارات، لأنهم سيخسرون في هذه الحالة أمام الأغلبية الساحقة من الدول النامية المنضوية في مجموعة ال77 + الصين. هذا يعني بطبيعة الحال، العودة إلى المربع الأول. هنا تعول الرؤية الأوروبية «الإصلاحية» لسير عملية التفاوض، على حسن اختيار شخصية الرئيس، في كافة لجان ومستويات التفاوض، لا سيما الأطر المؤسسية المفتاحية، وتحديداً صندوق المناخ الأخضر، واللجنة الدائمة المعنية بتمويل المناخ، ولجنة التكيف، واللجنة التنفيذية للتكنولوجيا، ومركز وشبكة التكنولوجيا.

هي مقترحات جيدة، وكثيرٌ منها نوقش على مدار السنوات الفائتة. لكنها -في حد ذاتها- لن تحل مشكلة استعصاء المفاوضات ومراوحتها في معظم الأوقات لمكانها، والاكتفاء بتحقيق اختراق واحد أو اثنين مهمين في كل مؤتمر سنوي للأطراف. الأمر يتعلق بكيفية توفيق المواقف المتغايرة، السياسية - الاقتصادية، بالنسبة لطريقة توزيع تكاليف الأضرار البيئية والمناخية الناتجة عن النشاط البشري عبر مراحل التاريخ المختلفة.

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9uw7em

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"