رفع طاقة تمويل صندوق النقد والبنك الدوليين

22:12 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

يوم الخميس 23 فبراير 2023، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الولايات المتحدة ترشح أجاي بانجا، رئيساً للبنك الدولي. وفي يونيو 2023، تقلد أجاي منصبه كأول أمريكي هندي يتولى قيادة هذه المؤسسة المالية الدولية. بدأ بانجا حياته المهنية في الهند، حيث أمضى 13 عاماً في فرع شركة نستله وسنتين في فرع شركة بيبسي كولا في الهند. وفي عام 1996، انضم إلى سيتي جروب، وأصبح فيما بعد رئيساً تنفيذياً لسيتي جروب لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ.

على هامش قمة مجموعة العشرين التي عُقدت في نيودلهي خلال الفترة من 9 إلى 10 سبتمبر 2023، انفرد الرئيس الأمريكي جو بايدن بثلاثة من قادة تكتل «بريكس»، هم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ورئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، ورئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. وتعمد الجانب الأمريكي دعوة الرئيس الجديد للبنك الدولي أجاي بانجا، للمشاركة في الاجتماع.

في هذا الاجتماع الذي غاب عنه قطبا «بريكس» الآخران، الصين وروسيا، عرض الرئيس الأمريكي فكرة بلاده لزيادة الطاقة التمويلية للبنك الدولي بهدف، كما قال، توفير تمويل إضافي للاقتصادات الناشئة والنامية المتوسطة والمنخفضة الدخل. وقد سمى البيت الأبيض بعض هذه الدول المرشحة للحصول على التمويل وهي كولومبيا وبيرو والأردن والهند وإندونيسيا والمغرب ونيجيريا وكينيا وفيتنام.

الولايات المتحدة تريد من هذه الخطة تعزيز القوة المالية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، المؤسستين اللتين تقعان في واشنطن، وتشكلان قلب النظام الاقتصادي العالمي الذي أنشأته بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بهدف مواجهة النفوذ الدولي المتصاعد للصين على صعيده التمويلي والاقتصادي.

ويبدو أن الولايات المتحدة قررت تعويض إمكانية إنشاء مرفق مالي ضخم مخصص لتمويل مشاريع التنمية في الدول النامية لمزاحمة مبادرة «حزام واحد طريق واحد» الصينية، بخطة «ترميم» مؤسسات النظام الدولي القديم، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في هذه الحالة، حتى في ظل تزايد المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين وتزايد طموحات بلدان إقليمية أخرى راحت تعبر عن نفسها خصوصاً في الميدان الاقتصادي.

بموجب الخطة، تتعهد واشنطن بدعم ميزانية البنك الدولي بمبلغ قدره 25 مليار دولار، على أمل رفع هذا المبلغ إلى 100 مليار دولار بمساهمة الأوروبيين والأعضاء الآخرين في البنك. وقد طلب الرئيس بايدن بالفعل من أعضاء الكونجرس اعتماد دفعة أولى قدرها 2.25 مليار دولار لتقديمها للبنك، لكن تمرير هذا الطلب في الكونجرس صعب للغاية، بسبب إصرار المشرعين الجمهوريين على خفض مخصصات الإنفاق مقابل موافقتهم على رفع سقف الاقتراض الذي أدمنته وزارة الخزانة الأمريكية. كما أن الأوروبيين الذين يواجهون مشاكلهم المالية الداخلية الخاصة، ليسوا في وارد الموافقة على تخصيص أموال إضافية في موازناتهم لهدف غير معلومة نتائجه سلفاً.

ومن شدة اهتمام واشنطن بهذه الخطة، أنها أشركت جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، في عملية تسويقها غرباً وشرقاً، فأعلن للصحفيين في نيودلهي على هامش قمة العشرين أن بلاده «تعمل على التأكد من أن الشركاء الآخرين يحذون حذونا».

الخطة تتضمن أيضاًَ مطالبة الرئيس بايدن للكونجرس بتخصيص 21 مليار دولار أخرى لصندوق النقد الدولي لتعزيز المرفق التمويلي التفضيلي للصندوق كي يتمكن من زيادة إقراضه للبلدان منخفضة الدخل. هذا المرفق القديم عبارة عن برنامج يسمى «وضع الدائن المفضل» (Preferred Creditor Status – PCS)، مخصص لتمويل الديون السيادية وأزمات ميزان المدفوعات بأسعار فائدة أقل من السوق. مع ملاحظة أنه غير مدرج في النظام الأساسي لصندوق النقد.

في الاتحاد الأوروبي ليس هناك إجماع على المقترح الأمريكي، لاسيما بشأن المبلغ المقترح لزيادة طاقة البنك التمويلية وتوقيت العمل بخطته. مع الأخذ بعين الاعتبار هنا أحقية أمريكا، باعتبارها المساهم الأكبر في البنك، في استخدام حق الفيتو على قرارات البنك. وحتى في حال سارت الأمور على النحو الذي تخطط له الولايات المتحدة وتم حشد المبلغ المطلوب بكامله (25 مليار دولار)، فمن المشكوك فيه أن تكون طاقة البنك الدولي التمويلية «المتجددة»، كافية بحد ذاتها لتغيير ميزان القوى الاقتصادية في العالم، وبضمنه العالم النامي المتجدد هو الآخر.

ثم إن الصين ستكون لها مطالبة في حصة زيادة ميزانية البنك وبالتالي في قرارات البنك التمويلية. ولا ننسى الدور المتعاظم الذي بات يلعبه البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB)، البنك المتعدد الأطراف الذي أنشأته الصين في عام 2015، والذي تغطي مقارباته التمويلية للدول الأعضاء فيه (109 دول) على مقاربات البنك الدولي. إذ شارك البنك في تمويل 20 مشروعاً بقيمة 4.36 مليار دولار بين عام 2021 ونهاية أغسطس 2023، ليصبح الممول التنموي المنافس للبنك الدولي في العالم.

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/25ss8pr3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"