بين الجهود الدبلوماسية لتحويل الهدنة التي تم تمديدها ليومين إضافيين إلى هدنة دائمة، وبدء مرحلة جديدة تقوم على تسوية سياسية تضع حداً للحرب المدمرة الحالية التي أودت بحياة أكثر من 15 ألف مدني معظمهم من الأطفال والنساء، وتدمير أكثر من نصف مدينة غزة، يترقب العالم مدى قدرة الأطراف العربية والدولية على لجم الجموح الإسرائيلي لمواصلة الانتقام وحرب الإبادة.
إسرائيل ترفع سقف أهدافها العسكرية رغم أن ما حققته على مدى خمسين يوماً لم يكن أكثر من تدمير واسع وارتكاب مجازر، لأن التقدم الذي حققته القوات الإسرائيلية في بعض المناطق الشمالية من القطاع لا يشكل إنجازاً عسكرياً يُعتّد به، إذ إن انتشارها لم يمكّنها من الإمساك بالأرض، وإنهاء الوجود العسكري للمقاومة التي ظلت تواصل القتال وتوقع خسائر بشرية في هذه القوات ومعداتها العسكرية، إضافة إلى التقارير الإسرائيلية التي تحدثت عن عجز في تحقيق تقدم، ناهيك عن تقارير تحدثت عن فرار قوات إسرائيلية من ساحة المعركة.
ومع ذلك يصر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على مواصلة الحرب «حتى تحرير الرهائن والقضاء على تهديد حماس»، وأشار إلى أن إسرائيل «ستستأنف حملتها بكل قوة بمجرد انتهاء الهدنة»، فيما قال وزير الحرب يوآف غالانت «بعد إنهاء الهدنة سوف يستأنف الجيش الإسرائيلي القتال بكثافة أكبر وسيعمل في جميع أنحاء غزة».
من الواضح أن هذه المواقف التي جاءت إثر تسلل نتنياهو إلى شمال القطاع، وغالانت الذي تسلل بحراً، وهما يرتديان الثياب العسكرية المضادة للرصاص، هي زيارات استعراضية تهدف إلى تهدئة اليمين المتطرف والمخاوف من أن يؤدي تمديد الهدنة إلى إضعاف الجهود الإسرائيلية ضد المقاومة، ثم أن تستغل حماس الوقت لإعادة تنظيم صفوفها ودراسة خطواتها التالية، مع العلم أن استئناف القتال سوف يقضي على أي أمل في عودة الرهائن.
ومع ذلك، فإن جهود تحويل الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار ومباشرة الانتقال إلى الخطوة التالية تشكل سُلّماً لإنزال نتنياهو عن الشجرة والتخلي عن السقف العالي لأهدافه التي تبدو صعبة التحقق، وأيضاً إقناع حماس بأن ولوج الحل السياسي يقيها ويقي قطاع غزة المزيد من التدمير.
هناك فرصة إقليمية ودولية متاحة الآن لإعادة النظر في السياسات التي كانت قائمة قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وبدء مرحلة جديدة من التعاطي مع الصراع وفق حل سياسي يقوم على «حل الدولتين»، على أن يبدأ التحرك الفعلي لتحقيق ذلك الآن من خلال جهد حقيقي تقوم به الأطراف الفاعلة، خصوصاً أن هناك انكفاءً أمريكياً في اتجاه القناعة بأن «حل الدولتين هو السبيل الوحيدة لضمان الأمن على المدى البعيد للإسرائيليين والفلسطينيين»، حسب الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي أضاف «إن الولايات المتحدة ستواصل العمل من أجل تحقيقه».