أجندة «كوب 28» حافلة

22:17 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد*

لو ألقينا نظرة سريعة على المواضيع المطروحة على جدول أعمال مؤتمر الأطراف في نسخته الثامنة والعشرين (COP-28) التي تستضيفها دبي خلال الفترة من 30 نوفمبر الى 12 ديسمبر 2023، فسنجدها حافلة بالقضايا الرئيسية الحساسة التي لطالما شغلت واحتلت الحيز الأكبر من اهتمام وأشغال مؤتمرات الأطراف.

اليوم هذه القضايا نضجت بقدر نضوج المفاوضين ووصولهم إلى قناعات جديدة أملتها تغيرات الموازين وتغيرات الظروف التي تستوجب من كافة الأطراف أن تكون أكثر مرونة وتواضعاً في أهدافها وطموحاتها المناخية. لكن ليس هذا هو الحال بالنسبة للوبيات المناخ الأوروبية التي تعتبر أجندتها المناخية، أجندة مناخية عالمية يجب على بقية أطراف عملية التفاوض المناخي، اعتمادها والأخذ بها. فقد استبقت أيام انعقاد مؤتمر الأطراف الحالي، بطرح موضوعاتها باعتبارها الأجندة التي يجب أن تسير عليها أعمال المؤتمر، وهي تحول الطاقة «Energy transition»، وهذا موضوع متفق عليه بصفة عامة بين كافة أطراف التفاوض، بيد أن مقاربة الأوروبيين له تختلف لجهة سرعة ووتيرة وارتجال التطبيق، ناهيك عن جوهره، حيث يطالب الأوروبيون باتخاذ قرار حاسم بحظر إنتاج مصادر الطاقة الأحفورية الثلاثة: النفط والغاز والفحم؛ وكذلك موضوع تمويل الخسائر والأضرار الذي كان الاتحاد الأوروبي أصلاً مسؤولاً عن تأجيل عملية إطلاقه في مؤتمر الأطراف السابق في شرم الشيخ، بسبب شروطه التعجيزية، لكن الإدارة الإماراتية للمؤتمر فاجأت الجميع بحسم موضوعه منذ اليوم الأول للمؤتمر، بإعلان الاتفاق على إنشاء الصندوق الخاص بتمويل الخسائر والأضرار التي تتعرض لها الدول الفقيرة جراء الكوارث المناخية الطبيعية المتطرفة. كما سيجدد ممثلو الاتحاد الأوروبي في جلسات التفاوض، طرح مسألة وضع قواعد لتداول الكربون، أي إنشاء سوق لتداول الكربون. وهو مطلب يراد تعميمه نقلاً عن تجارب الدول التي أنشأت أسواقها الوطنية للكربون مثل الاتحاد الأوروبي الذي أنشأ نظامه لتداول الانبعاثات (EU ETS) في عام 2005، وأنظمة وطنية أخرى تعمل بالفعل أو قيد التطوير، كما هو الحال في الصين التي دشنت نظامها لمقايضة الانبعاثات في عام 2021، كأكبر سوق للكربون في العالم، أكبر بثلاث مرات من سوق الاتحاد الأوروبي، ويغطي، بعد إضافة الصناعات الثقيلة والتصنيع إلى قائمته، قدراً من الانبعاثات أكبر من بقية أسواق الكربون في العالم مجتمعة؛ والبرازيل التي أعدت مسودة قانون لإنشاء نظام لتجارة انبعاثات غازات الدفيئة وقدمته للبرلمان البرازيلي، إلى جانب كندا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية وسويسرا وأمريكا.

رئيس مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين الدكتور سلطان الجابر، كان قد عرض في وقت سابق في اجتماع في بروكسل، الأهداف الرئيسية للمؤتمر، في مقدمتها توفير صندوق نشط يعمل بكامل طاقته لتعويض الدول الفقيرة المتضررة من تغير المناخ، وتحديد أهداف لمضاعفة مصادر الطاقة المتجددة 3 مرات، ومضاعفة إنتاج الهيدروجين بحلول 2030. كما لفت الدكتور الجابر، انتباه المجتمعين، وبضمنهم وزراء من أكثر من 20 دولة، إلى قضيتين رئيسيتين في المفاوضات لطالما لم تأخذا حقهما من الاهتمام والقرارات التنفيذية الحاسمة بشأنهما، وهما قضية التكيف التي أكد الدكتور الجابر وجوب تحديد هدف عالمي بشأنها مع ارتفاع درجات الحرارة؛ وقضية تمويل مبادرات ومشاريع المناخ، لاسيما في ما خص التخفيف والتكيف، حيث شدد على وجوب التزام الدول الغنية بالوفاء بالتزامها بتوفير تمويل سنوي للمناخ بقيمة 100 مليار دولار، من أجل تأمين الزخم الفعلي لدعم جهود تحقيق هدف المادة الثانية في اتفاق باريس للمناخ المتمثلة في الوصول إلى حد أقصى من ارتفاع درجات الحرارة بنهاية القرن لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية.

لم ينس الدكتور الجابر تناول موضوع الوقود الأحفوري الذي تحاول اللوبيات المناخية استغلاله للتقليل من شأن الجهود الكبيرة التي تبذلها الدول المنتجة للنفط والغاز في المنطقة العربية وجوارها ومنها دولة الإمارات، في تحمل تكاليف إضافية بإدخال تقنيات جديدة لتقليص انبعاثات هذا القطاع إلى حدودها الدنيا، أخذاً بعين الاعتبار حيوية هذا القطاع للاقتصادات الوطنية وللاقتصاد العالمي الذي لا يمكن تجريده من إحدى ديناميات دورته الاقتصادية بأساليب التهويل والارتجال التي يدفع بها بعض لوبيات المناخ الأوروبية. قال الجابر، إن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري «حتمي» و«ضروري»، وإنه يتعين على الشركات «التخلص من كل الانبعاثات»، بما في ذلك النطاقات 1 و2 و3 التي تغطي الانبعاثات التي تنتجها الشركات بشكل مباشر وتلك التي ينتجها العملاء الذين يستخدمون منتجاتها.

لقد جرت العادة أن تكون نتائج مؤتمرات الأطراف السنوية، إما صفرية أو محتشمة. لكن، على غير العادة، يسجل مؤتمر الأطراف الثامن والعشرون، نجاحاً باهراً منذ اليوم الأول لانعقاده. وهي إشارة مشجعة لكافة أطراف التفاوض حول سلاسة سير أشغال المؤتمر على مدار أيام انعقاده. فقد شاءت الإمارات أن تؤكد وتثبت جديتها وكفاءتها التي ستُميز استضافتها ل«لكوب» هذا العام، بالإعلان في أول يوم من انعقاد المؤتمر (الخميس 30 نوفمبر 2023) عن إنشاء «صندوق الخسائر والأضرار» المناخية لتعويض الدول الأكثر تضرراً من تغير المناخ، بعد النجاح في جمع مئات ملايين الدولارات لانطلاقة ميزانية الصندوق، منها 100 مليون دولار من دولة الإمارات العربية المتحدة.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5hap97hs

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"