عادي
فخّ الديون وتعدّد الوجوه وعثرات الاقتصاد أبرز التحديات

الحزام والطريق.. «طبعة» صينية جديدة

00:02 صباحا
قراءة 6 دقائق
زعماء العالم يشاركون الصين في الاحتفال بالنسخة الثالثة من مبادرة الحزام والطريق

د. أيمن سمير

يقول المثل الصيني الشهير «النخلة العالية لا بدّ أن تهزها الريح»، والمقصود هنا أن الأفكار المبدعة، والشخصيات الناجحة، دائماً تتعرض للانتقادات والتشكيك والهجوم، وبعد مرور 10 سنوات كاملة على إطلاق الرئيس الصيني شين جين بينغ، مبادرة «الحزام والطريق» في سبتمبر وأكتوبر عام 2013، والتي يطلق عليها أيضاً «حزام واحد، طريق واحد»، وبعد توسع المبادرة إلى قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية والمحيط الهادئ، بل ومشاركة دول أوروبية فيها، مثل صربيا، وإيطاليا العضو في مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، بعد عقد كامل، لا تزال مبادرة «الحزام والطريق» تتعرض للكثير من الانتقادات الغربية، تارة بأنها تشكل «فخ الديون» للدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وتارة أخرى بأن «الحزام والطريق» تمثل تهديداً للأمن القومي الأمريكي، فواشنطن ترى في «المسار البحري» للمبادرة أنه يقوم على «اقتفاء أثر» المصالح والأصول والسفن العسكرية والأطلسية، وأن الموانئ الصينية في الدول التي شاركت في مبادرة الحزام والطريق، ما هي إلا «قواعد عسكرية» مخفية للتجسس والتنافس مع المصالح الأمريكية، وأن الصين تتخفى بعيداً عن المواجهة المباشرة مع الغرب إلى الاختيار الدقيق لتلك الموانئ، ونقاط الدعم اللوجستية، لتكون عيون وقرون استشعار معلوماتية ومخابراتية للصين قبل أن تكون موانئ أو محطات تموين للسفن.

مع ذلك فإن الاتهامات الأمريكية والغربية للحزام والطريق لا ترد على المزايا الكبيرة والكثيرة لمبادرة الرئيس شي جين بينغ، والتي يأتي في مقدمتها أن المبادرة ساعدت في ربط نحو 49 دولة حبيسة بالعالم، وأنها ساهمت في بناء وتشييد الكثير من مشروعات البنية التحتية العملاقة، وكانت سبباً في منح الكثير من«القيم الاقتصادية المضافة» لدول وشعوب ظلت على مدار التاريخ تبيع الموارد الأولية فقط، بأسعار رخيصة، ومن حق داعمي ومؤيدي مبادرة الحزام والطريق أن يفخروا أيضاً، بأن الصين لا تطلب، ولا تشترط أي شروط سياسية، ولا تتدخل في الشئون الداخلية للدول التي تشارك في مشروعات الحزام والطريق، وبعد أن تم الاحتفال بالمبادرة عامي 2017 و2019 وتوقفها عام 2021 بسبب جائحة كورونا جاء الاحتفال في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الذي حضره ملوك ورؤساء، منهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليطرح سلسلة من الأسئلة حول حرص القيادة الصينية على إضفاء الزخم والقوة على «الطبعة الجديدة» من الحزام والطريق، ليس للرد على الانتقادات الغربية فقط، بل لنفي كل التعليقات حول فشل المبادرة، أو توقفها، فما هي معالم هذه «الطبعة الجديدة» من الحزام والطريق؟ وهل يمكن أن تتأثر سلباً بالمبادرات الاقتصادية الأخرى؟

خريطة توضح توسع مشروعات الحزام والطريق لمختلف قارات العالم

تأكيد الثواب

حرص الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال احتفال هذا العام على «تأكيد الثوابت» التي تتعلق بمبادرة الحزام والطريق، بعد كل الاتهامات والتشوهات التي حاول البعض أن يلصقها بالمبادرة، ومن أبرز تلك الثواب هي أن «الحزام والطريق» تهدف إلى تعزيز الاتصال الإقليمي، واحتضان مستقبل أكثر إشراقاً للشعوب والدول التي تشارك فيها، وأن الإطار الزمني للانتهاء من كل مشروعات المبادرة سيكون في عام 2049 بمناسبة مرور 100 عام على وصول الحزب الشيوعي الصيني للسلطة عام 1949، وأن مشروعات المبادرة تعمل، على الأقل في الوقت الحالي، في نحو 100 دولة ضمن 150 دولة أعلنت انضمامها للحزام والطريق، وتشكل هذه الدول أكثر من 65 % من سكان العالم، وأن الهدف الرئيسي للمبادرة هو الاستثمار في البنية التحتية والموانئ، والسكك الحديدية السريعة، والعقارات، وشبكة الطاقة الجديدة، وخطوط الهيدروجين الأخضر، وتطوير الصناعات الثقيلة، وفي مقدمتها الحديد والصلب، وكل ذلك بهدف معالجة الفجوة الشاسعة في البنية التحتية، وتسريع معدلات النمو في آسيا والمحيط الهادئ وإفريقيا وأمريكا، وأن هدف المبادرة هو الوصول بالتجارة الدولية على هذا الطريق إلى نسبة 40 % من التجارة الدولية، ليس هذا فقط، بل سوف تعمل مبادرة الحزام والطريق على تعزيز التبادل التكنولوجي، وتوثيق الروابط العلمية والثقافية بين الشعوب المشاركة في الحزام والطريق.

التأكيد على كل هذه الأهداف يؤشر إلى قناعة الرئيس شي جين بينغ في «الطبعة الجديدة» بأن الحزام والطريق ترتكز على أن القوة الاقتصادية هي «المحرك الأول»، و«القاطرة القوية» لكل المعادلات الأخرى، سواء السياسية، أو الأمنية والعسكرية، ويؤكد تحليل الخطاب الصيني أثناء النسخة الثالثة من الاحتفال بمبادرة الحزام والطريق على مزايا المبادرة ومنها:

أولاً: معادلة رابح - رابح

المقاربة الصينية تقول إنها أكثر عدالة وإنصافاً في معاملاتها الاقتصادية والاستثمارية مع مختلف الدول التي تشاركها الحزام والطريق، من «المقاربات الأمريكية والغربية»، وتتحدث الصين عن إفريقيا وأمريكا اللاتينية كنماذج لهذه المقاربة، فرغم أن أمريكا اللاتينية هي «الحديقة الخلفية» للولايات المتحدة، والأقرب لها جغرافياً، إلا أن الصين هي الشريك التجاري الأول ب495 مليار دولار مع أمريكا اللاتينية وليس الولايات المتحدة الأمريكية، لأن من وجهة نظر بكين فإن الصين تقدم «مقاربة مربحة» للطرفين، والسيناريو نفسه في إفريقيا، حيث تغلبت الصين، تجارياً واقتصادياً، على الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول السابق للقارة الشابة، وأصبحت الصين أكبر مستثمر في إفريقيا، وأكبر شريك تجاري معها بنحو 140 مليار دولار في الفترة في يناير حتى يوليو من العام الجاري

ثانياً: زخم جديد

رغم كل ما يقال عن تأثر الاقتصاد الصيني بجائحة كورونا وسياسة «صفر كوفيد»، والإغلاق الكامل للمصانع والشركات الصينية خلال الفترة الأخيرة من الجائحة، وتشكيك الكثيرين في حيوية ومرونة الاقتصاد الصيني، إلا أن الأرقام التي صاحبت الإعلان عن «الطبعة الجديدة» من مبادرة «الحزام والطريق» تقول إن هناك قوة دفع هائلة، وزخماً غير مسبوق في العلاقات التجارية بين الصين والدول المشاركة في «الحزام والطريق»، فالولايات المتحدة التي تتبنى ضمنياً وعلانية سياسة «فك الارتباط الاقتصادي» مع الصين، وبعد كل الإجراءات الحمائية الأمريكية، وقيام الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بفرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية، إلا أن التجارة بين بلغت مع التنين الصيني مستويات قياسية في عام 2022 بعد أن وصلت التجارة بين البلدين لنحو 690 مليار دولار، ما يؤكد أن الشركات الأمريكية والمستوردين الأمريكيين يعرفون قيمة الصين كمصدر لا غنى عنه في سلاسل التوريد، وفي عام 2022 أيضاً، زادت التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي بنسبة 23 % ووصلت إلى 912 مليار دولار، ومع ألمانيا فقط بلغت التجارة مع الصين نحو 318.8 مليار دولار، أما التجارة الصينية مع إفريقيا فقد بلغت العام الماضي نحو 282 مليار دولار، ومع دول جنوب شرق آسيا 975 مليار دولار، كما أن دولة مثل المكسيك، التي تجاورها الولايات المتحدة من الشمال استوردت نحو 25% من السيارات من الصين، وكدليل على الأرباح التي تجنيها الدول من الحزام والطريق أصبحت الصين أكبر سوق تستقبل بضائع برازيلية عام 2022، وكل الأرقام تؤشر إلى أن هذا الزخم سوف يزيد العام الجاري والأعوام المقبلة.

ثالثاً: الهجوم بدلاً من الدفاع

الصين لا تكتفي بالدفاع عن «نموذجها الخاص» في التنمية، والتأكيد على المكاسب التي تعود لشركائها في الحزام والطريق، إلا أنها باتت تطالب «بعدالة اقتصادية وتنموية»، ما يفسره البعض برفض الصين الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على الاقتصاد الدولي، وفي سبيل إظهار العيوب في النموذج التنموي الغربي، تنتقد الصين سياسات البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ونادي باريس، ونجحت بكين في تقديم نماذج بديلة، مثل «بنك التنمية الجديد»، و«صندوق التحوط»، التابعين للبريكس

رابعاً: عدم التدخل في الشؤون الداخلية

الرئيس الصيني دائماً ما يركز على أفضلية مبادرة الحزام والطريق، لأنها تقوم على أبعاد اقتصادية وتجارية، ولا تتدخل في السياسة الداخلية للدول الأخرى، وهذا عكس الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، الذين يصنفون الدول بأن هناك دولاً ديمقراطية، ودولاً غير ديمقراطية، ودولاً صديقة، ودولاً غير صديقة

خامساً: صديق وقت الأزمات

الصين هي أكثر دول العالم التي قدمت لقاحات ومساعدات طبية خلال جائحة كورونا، خاصة للدول الفقيرة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ودول المحيط الهادئ، ما يضفي على علاقات الصين مع شركائها في مبادرة الحزام والصين أبعاداً إنسانية تتخطى جوانب المكاسب التجارية والاقتصادية، ولهذا يقدم الرئيس الصيني بلاده باعتبارها صديقة «لعالم الجنوب»، ومدافعة عنه، وداعمة له في مواجهات الظلم التاريخي الذي وقع على هذه الدول من الغرب والاستعمار القديم الذي ما زال يسعى لربط دول عالم الجنوب بمصالحه، لكن الصين تشعر بثقة أكبر، بأن الرغبة والإرادة السياسية للتعاون معها أكثر بكثير من التعاون مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وخير مثال على ذلك، أن الدول التي شهدت انقلابات في إفريقيا كلها تريد تعزيز العلاقات مع الصين، على حساب العلاقات مع الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوربي.

تحديات

رغم كل المزايا التي طرحها الرئيس الصيني في «الطبعة الثالثة» من مبادرة الحزام والصين، إلا أنه لا يمكن «تجاهل» التحديات التي يفرضها التنافس الغربي مع الصين حول مبادرة «الحزام والطريق»، خاصة دعم الغرب لمبادرات تنموية جوهرها البنية التحتية، كما هي الحال في مبادة الحزام والطريق، وتعمل الصين بكل ما تملك لإعطاء صورة جديدة عن «حوكمة مشرعاتها»، والالتزام بأعلى درجات حماية الكوكب في مواجهة اتهامات بعدم مراعاة الجوانب البيئية، فضلاً عن جهود الحكومة الصينية لرفع مستويات النمو السنوية في ظل مؤشرات تنشرها الولايات المتحدة عن ضعف شديد في معدل النمو الإجمالي الصيني، ومشاكل الشركات العملاقة خاصة المشكلات التي تعانيها شركات القطاع الاقتصادي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yeytszmp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"