كانت روسيا قبل عقد من الزمن «شريكاً استراتيجياً» لدول حلف الأطلسي، ومن هذا المنظار تم تأسيس «مجلس روسيا - الأطلسي» عام 2002 لمعالجة القضايا الأمنية والمشاريع المشتركة، وشارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة الأطلسي التي عقدت في بوخارست عام 2008، كما شارك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في العديد من المؤتمرات التي عقدها الحلف. وقد ظل الأمر كذلك حتى عام 2014 عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم، حيث قرر الحلف بعدها تعليق التعاون مع روسيا.
وفي قمة مدريد عام 2022، أعاد الحلف عجلة العلاقات إلى الوراء كما كانت أيام الحرب الباردة، وأعلن أن روسيا «تمثل التهديد الأهم والمباشر لأمن الحلفاء والسلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية - الأطلسية»، ووضع الحلف استراتيجية جديدة جاء فيها أنه «لا يمكن استبعاد احتمال شن هجوم على سيادة الحلفاء ووحدة أراضيهم»، وفي محاولة لمواجهة الخطر الروسي، وافق القادة على تعزيز قواتهم في أوروبا الشرقية. وفي الاجتماعات الأخيرة للحلف كرر أمينه العام ستولتنبرغ هذا الموقف مراراً.
على الجانب الروسي، كان توسع حلف الأطلسي شرقاً بوتيرة متسارعة باتجاه الحدود الغربية لروسيا يثير قلق الكرملين الذي سعى للحد من هذا التوسع الذي اعتبره خطراً على أمنه القومي، ولم ير من مبرر لهذا التوسع إذا كان الحلف صادقاً في الإبقاء على العلاقات الإيجابية معه، لكنه فشل في الوصول إلى صيغة تحدّ من التوسع بعد انضمام 15 دولة إلى الحلف، ورأت فيه تهديداً وجودياً، لدرجة أن الكرملين برر جزئياً حربه ضد أوكرانيا بالطموحات الأطلسية لكييف، لمنعها من الانضمام إلى الحلف.
لم تعلن موسكو يوماً أنها تهدد الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الأطلسي، لكن في عام 2014 وأمام ما اعتبرته تهديداً لأمنها القومي جراء توسع الحلف، اعتبرت العقيدة العسكرية الروسية أن توسع الحلف يشكل أحد مصادر «التهديدات الخارجية الرئيسية»، لكن ذلك بقي في إطار تحديد السياسة الدفاعية ولم يتجاوزه، رغم الدعم العسكري الهائل الذي قدمته دول حلف الأطلسي لأوكرانيا، وانخراطها بشكل مباشر وغير مباشر في الحرب.
يتعمد حلف الأطلسي من أجل تبرير وجوده البحث عن أعداء وخلق بؤر توتر وأزمات من حوله وفي مختلف المناطق بهدف التدخل باعتبار أن الأزمات تشكل تهديداً له وللسلام العالمي، واضعاً نفسه عامل سلام بديلاً للأمم المتحدة ودورها المفترض، وهو دور له علاقة مباشرة بالاستراتيجية الأمريكية الكونية للسيطرة والهيمنة وتحقيق أهدافها، وهو بالمحصلة دور تدميري كما حصل بتدخله في صربيا وليبيا وغيرهما.
خلال اجتماع مجلس وزراء خارجية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الذي عقد في سكوبيه عاصمة مقدونيا الشمالية الأسبوع الماضي قال لافروف إن المنظمة أصبحت «في حالة يرثى لها» وصارت ملحقة بحلف الأطلسي، مؤكداً استحالة مناقشة مصير القارة الأوروبية دون روسيا.