عادي
ألزم كل إمارة بإنشاء لجان للرقابة والمتابعة

قانون «الصحة النفسية» حفظ لحقوق المريض ورعاية صحية لحالته

01:21 صباحا
قراءة 9 دقائق

تحقيق: عهود النقبي

تضمن القانون الاتحادي الذي أصدرته حكومة دولة الإمارات في الصحة النفسية، ويحفظ حقوق المريض النفسي، ويضمن توفير الرعاية الصحية اللازمة له، تحديثاً مهماً، وهو إنشاء لجان للرقابة والمتابعة في كل إمارة، وتضمن القانون كذلك الحقوق العامة وحقوق الرعاية الصحية للمريض النفسي، وضمانات لمراعاة الفئة العمرية ومصلحة المريض النفسي القاصر، ولجنة رعاية حقوق المرضى في المنشأة الصحية النفسية، وضوابط توضح تنظيم الدخول إلى المنشأة الصحية النفسية.

يفرض القانون مجموعة من العقوبات على مخالفي أحكامه، وأهمها الحبس والغرامة التي لا تقل عن 50 ألف درهم، ولا تزيد على 200 ألف؛ لكل من أثبت عمداً في تقريره الطبي ما يخالف الواقع في شأن الحالة النفسية لأي شخص، بقصد إدخاله المنشأة الصحية النفسية، أو إخراجه منها، ولكل من تسبّب بسوء نية بإدخال أي شخص منشأة صحية نفسية خلافاً للمقرر في القانون، والحبس والغرامة التي لا تقل عن 50 ألف درهم، ولا تزيد على 100ألف، لكل من ساعد شخصاً خاضعاً للدخول الإلزامي على الهرب، أو كان مكلفاً بحراسة، أو رعاية، أو تمريض، أو علاج مريض نفسي وتعمد إساءة معاملته، أو إهماله، وتشدد العقوبة إذا ترتب على سوء المعاملة، أو الإهمال، مرض خطر، أو إصابة بليغة، أو إعاقة.

سالم المعمري

المتابعة

كيف كان يضمن المريض النفسي حقوقه قبل إصدار هذا القانون؟ «الخليج» تناقش أبعاده الصحية والقانونية والاجتماعية، في أهمية أن تكون هناك لجان للرقابة والمتابعة في كل إمارة، التي من المفترض أن تكون الجهة المركزية المسؤولة عن ضمان حماية حقوق المريض النفسي، وتختص بمتابعة التقارير الواردة من المنشآت الصحية النفسية، والمتعلقة بحالات الدخول الإلزامي، والرقابة على المنشآت الصحية النفسية، والتأكد من التزامها، والعاملين فيها بتطبيق المعايير والإجراءات المقررة في القانون ولائحته التنفيذية، والقرارات الصادرة تنفيذاً له، ومراجعة تقارير لجنة رعاية حقوق المرضى، والبتّ في الشكاوى والتظلمات والاعتراضات على قرارات هذه اللجنة، والبتّ في الشكاوى الواردة بشأن الخدمات العلاجية النفسية الخارجية والمراكز والعيادات.

علم وليس مصادفة

أكد الدكتور أحمد عبدالعزيز النجار، أكاديمي ومستشار نفسي، أن هناك الكثير من الذين لا يملكون الرخص في هذا المجال، ولا يملكون التخصصات التي تؤهلهم لخوض المعالجة النفسية، والعلاج النفسي بالذات لا يحتمل الخطأ، وسوء التصرف، والإجراءات العشوائية غير المنظمة، والشخص المصاب بمشكلة نفسية لا يحتمل التصرف غير المسؤول من قبل الشخص الموجّه، وأضاف «أغلب المرضى النفسيين تستمر حالاتهم لسنوات، وقد تنقضي نصف أعمارهم وهم يعانون، وبعضهم يصل بهم الأمر إلى إنهاء حياتهم الاجتماعية أو الوظيفية، بسبب سوء الفهم الوارد من سوء الاستشارة النفسية، والعلاج النفسي والتشخيص. والجدير بالذكر أن نصف من يرون أنهم بحاجة إلى العلاج بتوقعهم الشخصي أنهم يعانون حالة نفسية، ففي الحقيقة هي ليست حالات نفسية، والربع من النصف الثاني يعيشون في حال من حيرة اتخاذ القرار، أما الربع الأخير فهلديهم اضطرابات. وفي النهاية 5% فقط منهم نستطيع أن نقول إنهم مرضى يجب علاجهم، لذلك يتوجب على من هو بحاجة إلى العلاج، ألا يضع التقديرات الشخصية لحالته النفسية، ولا يلجأ إلى شخص غير مسؤول حتى لا تتفاقم المشكلة، فاحترام التخصص يُوصل إلى احترام الحالات التي تُعرض علينا، وهذا أمر مهم جداً في مرحلة العلاج النفسي»

وأشار إلى أن «المرض النفسي هو مرض غير ملموس بالآثار والأسباب، ولا يمكن إثبات خطأ المخطئ، لأن طريقة الإجراءات غير ملموسة، لذلك يصعب تحديد نوع الخطأ الوارد من المختص أو المعالج، والأمراض النفسية تحتاج إلى طب، ولا أعني هنا الطب الذي يعالج بالأدوية، بل بأسلوب ممنهج، والتعامل مع المرضى يحتاج إلى علم وإلمام بالنفس البشرية، وإلى قدرة على التشخيص، وإلى احترام العلم، وبناء التجارب والبحوث، وفي علاج الأمراض النفسية نحن لا نعتمد على المصادفة، العلاج يعني أن هناك سبباً، ووسيلة، ونتيجة، وأقمنا لذلك دبلوماً طُرح في دائرة التنمية المجتمعية في أبوظبي، لممارسة المجال بطريقة علمية أكثر، لأشخاص يمارسون المهنة في تقديم الخدمة النفسية، وكان برنامجاً ناجحاً يشمل الخدمة الاجتماعية، وعلم النفس، والإرشاد الأسري. وأتطلع في المستقبل لأن يضاف الإرشاد الأسري عاملاً مهماً في التراخيص النفسية»

وأضاف «نحن، المتخصصين في علم النفس، نعلم تماماً أن بعضهم يحتاجون إلى الاهتمام والمتابعة فقط، ولسنا بحاجة إلى تصنيف بعض الحالات على أنها مرض نفسي، بالرغم من ذلك، أي حالة تحتاج التفسير لن تُفسر من دون علم، ستدخل حالة الافتراض والاحتمال، وهو أمر مرفوض في علم النفس، لأنه ضار بصحة الإنسان».

الصورة

قانون يختصر الوقت

أكد الدكتور سالم المعمري، المحامي والمستشار القانوني، إن إصدار القانون خطوة إيجابية، وأضاف «سابقاً كانت هناك معاناة لنا نحن المحامين حينما تُعرض علينا حالات لشكاوى مرضى على الأطباء، أو المنشآت الصحية، والإجراء يطول بمراجعة الجهات المعنية، وهناك قضايا لا تحتمل التأخير، أما الآن، وبوجود هذه اللجان الرقابية، فستعمل على اختصار الجهد والوقت، وستحمي المريض والطبيب من كل أشكال التعسّف، لأنها ستكون لجاناً رقابية قانونية طبية ومُختصة، كذلك المريض سيكون محمياً من أي تجاوزات مهنية للأطباء، خاصة على من يعملون من دون ترخيص، وهم مع الأسف كُثر، ونشهد على وجودهم في مجالات كثيرة، وليس الطب وحسب، فهي خطوة إيجابية جداً لضبط الدخلاء على المهنة من دون أي شهادات، أو معايير، تجعلهم مؤهلين لخوض المجال، والمريض بعد إصدار هذا القانون، سيعلم تماماً إلى أين يتجه، لأنها ستكون لجان متخصصة ستمنع أي تجاوزات شهدناها مُسبقاً، لذلك أنا أثمّن هذه الخطوة وأتمنى من الأطباء التعاون مع هذه اللجان، وأن تكون سهلة ومُنتجة وسهلة الوصول إليها، وعلى قدر المسؤولية، وأن تمضي بعملها بالآلية التي وضعتها الدولة.

التشخيص الصحيح

أكدت الدكتورة فدوى المغيربي، أستاذة مشاركة في علم الأعصاب السلوكي/ علم النفس البيولوجي، وأستاذة سابقة في قسم علم النفس الإكلينيكي، كلية الطب في جامعة الإمارات، أن هذا القانون من أهم القوانين التي صدرت في هذا العام، لأنه تخصصي، ولأن المريض النفسي من الصعب جداً أن يطلب المساعدة، خاصة بوجود الوصمة التي ترافق الصحة النفسية في معظم أنحاء العالم، فحينما يستغل، ولا يعالج بالشكل الصحيح، سيجد صعوبة في عرض مشكلته أو التحدث عنها، وهنا تكمن أهمية القانون، فنظرة المجتمع إلى العلاج النفسي مُختلفة، وفيها الكثير من أنواع الاستغلال الصادرة عن غير المتخصصين في الصحة النفسية. وأضافت «شهدنا مرحلة لبعض الأشخاص لا يحملون التراخيص والكفاءة، ولا يعتمدون على أسس علمية تؤهلهم لتقديم الخدمات النفسية، والقانون هنا لا يشدد على هذه الفئة فقط، بل سيراقب ويتابع باللجان المختصة. والجدير بالذكر أنه ومنذ سنوات، لكي يجدد الطبيب أو المعالج والمتخصّص النفسي رُخصته فعليه أن يقدم شهادات تثبت التعليم المستمر، وهو أمر بغاية الأهمية في الخدمات النفسية، فهو مجال يستحدث ذاته دائماً عبر العلاجات النفسية المتغيرة والحديثة، التي يتوجب أن يتدرب عليها المتخصّص، حتى يتسنّى له تقديم الخدمة النفسية بالشكل الصحيح، واستحداث القانون لوضع اللجان الرقابية، دلالة على وعي الناس بالخدمات النفسية، والعلاج النفسي الإكلينيكي، وهو يختلف عن الطب النفسي، فهو يعتمد على الأدوية، بينما العلاج النفسي يعتمد على المحادثات والجلسات وتنبيه المريض على المهارات الحياتية التي يستطيع أن يتخلص عبرها من المشكلات التي قد يتعرض إليها. والعالم بأكمله، وليس في دولة الإمارات فقط، أصبح لديه الجرأة في التحدث عن المشكلات النفسية، ما سيجعله أكثر طلباً للخدمات النفسية، لنصل إلى وجود لجان رقابية تُمكن الطبيب والمريض من التشخيص الصحيح».

ضمان للمريض والطبيب

أوضحت الدكتورة ميادة عبدالله باناجه، استشارية الطب النفسي والعلاج النفسي، أنها كانت بانتظار هذا القانون منذ مدة طويلة، مع العلم بأنه موجود في دول العالم، أما في ما يخص الدول العربية، فلم يطبّق حتى اللحظة، وذلك يكمن بصعوبة وحساسية الأمراض النفسية والتعامل مع المرضى النفسيين، ووصمة العار التي لا تزال حاضرة في مجتمعاتنا، كذلك التقليل من صدقية المريض النفسي إن تعرض لانتهاكات، أو تجاوزات. أما بوجود هذا القانون فسيتوافر ضمان للطبيب والمريض في آن. وهناك حالات كثيرة من المرضى النفسيين غير المسؤولين عن تصرفاتهم، وليس لديهم القدرة على اتخاذ القرارات، ومن ثم قد يصل الأمر إلى أن يكون الطبيب هو المكلف اتخاذ القرارات عن المريض النفسي، فإن لم تكن هناك قوانين رادعة ومنظمة للعملية العلاجية، فستكون هناك تبعات وخيمة تضرّ بمصلحة المريض، والطبيب، والمنشآت الصحية. وهنا نشدد على أهمية الترخيص للطبيب النفسي، بالرغم من التعقيدات التي يواجهها المتخصّص، أو الطبيب للحصول على الرخصة لمدة تصل إلى شهور، إلا أن العملية التنظيمية حتى في ما يتعلق بنظام صرف الأدوية هو حاضر، ومن المهم أن يتضمنه هذا القانون.

وأضافت «بالنسبة إلى موضوع التدوين، وهو ما يتعلق بكتابة التاريخ المرضي، وهو الأصعب في الطب النفسي مقارنة بمجالات طبية أخرى، فمن الممكن أن يراجع المريض طبيبه الخاص من دون أن يستطيع أحد مراجعة ما ذكره في الجلسة العلاجية، فتتكون حلقات فارغة صعب جداً توضحيها، وتحديدها، وهنا تكمن أهمية أن يكون هناك لجنة رقابة، لأنها ستتابع التقارير الطبية والتاريخ المرضي بشكل أدق، وهي عامل الأمان بالنسبة إلى طبيب حتى لا يتهم بأية تجاوزات، أو تقصير، وكذلك للمريض حتى لا تنتهك حقوقه».

وتابعت «العمل في الجهات الحكومية يتمتع بالانسيابية والرقابة أكثر، أما الخوف الأكبر فهو موجه نحو العيادات الخاصة البعيدة عن الرقابة، وعرضت عليّ حالات كثيرة تتضمن شكاوى من أطباء آخرين بسبب تقصيرهم، أو صرف أدوية غير مناسبة، وعدم وجود قانون واضح حينها يصعّب خطوات شكوى المريض والإجراءات التابعة لها، أما بوجود قانون رادع يتضمن عقوبات مشددة، فهي الخطوة الإيجابية التي نتمنى أن تتحقق على أيدي مختصين بدرجات علمية عالية، لكي تكون عملية تكاملية بين تحقيق المصلحة من القانون، وحماية مصالح المريض النفسي وكذلك الأطباء والمنشآت الصحية».

تجاوزات أخلاقية

أكد ع.ع.ا المصاب بمرض ثنائي القطب، أن فكرة الحاجة إلى المساعدة وتدخّل المعالج نفسي، كانت متدرجة من مرحلة صعبة مرّ بها مُسبقاً، وحالة نفسية سهلت في عقله فكرة الانتحار، وأضاف «معظم المنشآت الصحية النفسية تُعدّ وكراً للأمراض النفسية، فهناك أشخاص طبيعيون تماماً، ومرورهم ببعض الضغوط لا يجعلهم مرضى نفسيين، ولكن تلك المنشآت التي لا تُحسن التعامل مع من هو بحاجة إلى المساعدة قد تضخم من المشكلة، وهنا يكمن السبب، وذلك لعدم وجود الرقابة، كذلك نظرة المجتمع المستمرة للعلاج النفسي قد تجعل من هو بحاجة إلى المساعدة يتهاون في اللجوء وطلب المساعدة من المتخصّصين في المجال، ووجود اللجان الرقابية المحايدة في الحالات النفسية الصعبة على الأطباء والمنشآت سيضمن حق المريض، فهناك تجاوزات غير أخلاقية قد لا تضمن حقه، ومن ثم يتعرض لأدوية قد لا يكون بحاجتها، كذلك سلب حريته لإجباره على المبيت في المستشفى، مثلاً، وهنا يكمن دور اللجان في ضبط كل هذه التجاوزات الصادرة عن الأطباء والمنشآت، ولضمان حقوق المريض النفسي الذي قد يصل أحياناً لمراحل يفقد فيها الإدراك والوعي، لذلك قد يتعرض إلى التلاعب والتحايل من الطبيب، أو المنشأة، وهنا تكمن أهمية أن تتضمن اللجان الرقابية جانباً من التوعية لأولياء الأمور، فإن كان المريض لا يُدرك، أو غير متصالح مع مرضه، وهو نصف الحل للمشكلة التي يتعرض إليها، فعلى ذويه أن يكونوا على علم ووعي بطريقة التعامل معه، ما قد يسهم في تدارك تبعات اللجوء لشخص غير متخصّص، مثلاً، أو منشأة قد تستغل حالة المريض النفسية لأغراضها الشخصية. والقانون عليه أن يكون رادعاً، فلا يُمكن أن تترك ثغرة في مجال مثل الطب النفسي،. واللجان الرقابية لا تكفي من دون سدّ المشكلة بالغرامات والحبس، فمن السهل في الجلسات النفسية التلاعب بالقوانين وتسييرها لمصلحة الطبيب، وهذا ليس هجوماً على الأطباء، ولكن كوني اختلطت بهم في مرحلة من مراحل حياتي، فهناك فئة منهم تستسهل التلاعب في القوانين، بالرغم من أن حياتهم المهنية تبدأ بقسم، وهو المُلزم الأخلاقي الذي يتوجب عليهم احترامه، إلا أن التجاوزات موجودة، لذلك على القانون أن يكون متكاملاً ليضمن المرضى حقوقهم».

قانون متكامل

أكدت ع. س.أ، أن فكرة أن يتلاعب، أو يستغل المرض، أو الحالة النفسية، طبيب لجأت إليه، هي فكرة صعبة للغاية على من يعانون أي حالة نفسية، وأضافت «أياً يكن نوع الحالة وحدّتها، فبعد مروري بمرحلة من الضغوط والتراكمات التي أوصلتني لانقطاع الشغف والمعاناة الدائمة من الفراغ، لا يُمكن إلا أن أطلب المساعدة من طبيب أو معالج متخصّص يمنحني جزءاً من طمأنينتي التي فقدتها جراء مرحلة من عدم الاتزان. أما اليوم وأنا أرى أن الدولة مهتمة للحدّ الذي تصدر به قانوناً متكاملاً يتضمن كل حقوق المريض النفسي، وبالأخص توفير اللجان الرقابية في كل إمارات الدولة، ما هو إلا أمر أشدّ عليه، وأحييه، فهي خطوة تمنح الاستقرار لكل من كان بحاجة إلى المساعدة النفسية، فنحن لا نُريد حل المشكلة بمشكلة أخرى، ووجود عدم المتخصّصين هو في كل المجالات، وليس المجال الطبي وحسب، ولا يُمكن أن يوقف أشخاص كهؤلاء إلا بقوانين رادعة، فإن استطعت أن أحصل على حقوقي من طبيب ادّعى معرفته وصدقه في هذا المجال، فهناك كُثر قد لا تسعفهم أوضاعهم وأحوالهم النفسية لاستعادة حقوقهم، وهنا يكمن الدور الحقيقي للجان الرقابية، في إيقاف مثل هذه التجاوزات، ومنح المريض النفسي ملاذاً يعود إليه ما إن تعرض لانتهاكات من الأطباء أو المنشآت بشكلٍ عام».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2ye7t6wy

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"