الذكاء السياسي.. و«الاصطناعي»

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين

أحمد مصطفى

من بين الوعود الانتخابية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إذا فاز في انتخابات الرئاسة هذا العام وعاد إلى البيت الأبيض أن يوقف برامج الإدارة الحالية للتحول في مجال الطاقة والتي يصفها ترامب بأنه «النصب الأخضر الجديد». ليس معنى ذلك أن إدارة الرئيس جو بايدن تمثل، كما تدعي، رعاية عالمية في مكافحة التغيرات المناخية بل إن سياساتها العملية التي جعلت أمريكا أكبر منتج عالمي للنفط في العامين الأخيرين عكس ذلك.

لكن ميزة ترامب أنه واضح ولا يغلف شططه السياسي بليبرالية مُدَّعاة. فهو من البداية ليس مقتنعاً بأن بيئة كوكب الأرض مهددة بانبعاثات غازات مسببة للاحتباس الحراري، بل يساير أصحاب نظرية المؤامرة الذين يرون أن التغير المناخي خدعة.

لا يقتصر الأمر على ترامب، بل هناك قادة آخرون حول العالم يصدحون بما هو أكثر شططاً وفجاجة ويصدقّهم متابعون بمئات الملايين.

ليس ذلك من «بؤس السياسة» فحسب، ولكن من انكشاف الناس أكثر على التضليل والدجل والتلفيق الذي يمثل قدراً كبيراً من محتوى الإنترنت خاصة على مواقع التواصل شائعة الانتشار. لا يعني ذلك أن التلفيق لم يكن موجوداً من قبل قرون، إنما هو فقط أصبح أكثر شيوعاً وبالتالي قبولاً واستساغة. لقد أصبح الكذب الفج والتضليل المتعمد سمة لكثير من السياسيين والشخصيات العامة المؤثرة.

وهكذا. وبلغ العالم من الصلف وعنجهية الجهل أن يصف ذلك بأنه «ذكاء سياسي». إنه هو التوجه ذاته الذي يجعل العالم يصدق كل أكاذيب إسرائيل حتى حين يصف رئيس حكومتها جنوب إفريقيا بالنازية الجديدة وحين يصف وزير دفاعها الفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية. هذا الذكاء السياسي المفترض لا يبدو مختلفاً كثيراً عن الذكاء الاصطناعي الذي يصوره البعض على أنه منقذ البشرية ودينامو تنشيط الاقتصاد العالمي القادم.

إنه ببساطة عبارة عن برمجيات كمبيوتر متطورة يتم تغذيتها بالمحتوى المتوفر على الإنترنت لتقوم بعمليات تشغيل معلومات هائلة وتعطي نتائج يعتبرها البعض إبداعاً وستعتمد عليها الشركات والأعمال بانتظار نتائج أفضل مما يمكن أن يقوم به البشر. فإذا فكرنا لبرهة أن قدراً كبيراً من المحتوى المتوفر على الإنترنت هو كذب وتلفيق وتزوير من نظريات مؤامرة إلى صور وفيديوهات معالجة بدقة للتشويه والتضليل فلنا أن نتخيل حجم التغذية المعلوماتية المضللة لبرامج الذكاء الاصطناعي. وبالتالي ما علينا سوى توقع نتائج كارثية في أحيان كثيرة تعتمد على الكذب والتلفيق والتضليل.

مع زيادة عدد سكان الأرض والتغيرات الطبيعية التي تُحدّ من الموارد نتيجة التغيرات في الطقس وإنتاج الأساسيات مثل الغذاء وغيره قد يكون الوضع بحاجة إلى كوارث من صنع البشر لمساعدة الطبيعة على ابتكار الحلول من ذات نفسها من أجل الاستمرار. وإذا كانت الكوارث الطبيعية لا تكفي فإن كوارث ناجمة عن الذكاء الاصطناعي والذكاء السياسي وغيره ستؤدي الغرض.

بالطبع، ليس كل ذلك بالأمر المضمون تماماً وليست بالضرورة نبوءة بكوارث على نطاق واسع. بل يكفي إذكاء بعض النيران في حرائق منخفضة الحدة مشتعلة بالفعل كي تحدث التغيرات التي تمكن البشر من الاستمرار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4hyvukt7

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"