عادي
قصة بطلاتها فوق الخمسين

«مقسوم».. الصداقة الضائعة في فيلم ناقص

22:29 مساء
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم

نادراً ما تجد في عالمنا العربي من يكتب فيلماً يرتكز على قصة بطلاتها وأبطالها في الخمسين والستين من العمر، فلا بد من وجود نجم كبير، لكن معه نجوم صف أول من جيلي الوسط والشباب، أو يتصدّر الصغار البطولة ويكون للكبار حضور شرَفيّ داعم ليس أكثر؛ لذلك يعد فيلم «مقسوم» الذي لم يجد نصيباً كافياً من النجاح في الصالات، شديد التميز والتفوّق على كل ما تعرضه السينما العربية لأن مؤلفه كتب قصة لثلاث بطلات في الخمسينات من العمر (أو أكثر)، فرأينا فيه لفتة مبشرة لفتح الأبواب أمام تقبّل فكرة تقدّم النجوم في السن واستمرارية حقهم في البطولة وإيجاد قصص تليق بمكانتهم وأعمارهم متجاوزين مرحلة الحب والمراهقة التي لازمت ظهور النجوم في معظم الأعمال السينمائية والتلفزيونية، مهما تقدموا في السن وأياً كان نوع العمل، ربما لم يقصد الكاتب هيثم دبور منح «الكبار» هذه الميزة، وربما كان في باله تقديم نسخة مستوحاة من الفيلم الأمريكي الرائع «ماما ميا» (٢٠٠٨)، لكنه فعلها وقدم مع المخرجة كوثر يونس النجمات ليلى علوي وشيرين رضا وسما إبراهيم بشكل مختلف وبما يليق بأعمارهن، وكاد أن يحلّق «مقسوم» عالياً لولا نقاط ضعف أعاقت بلوغه عتبات الإبهار والنجاح الجماهيري واستكمال مراحل تميزه.

لم يذكر الكاتب هيثم دبور وصناع فيلم «مقسوم» أن القصة تقترب بأي شكل من قصص سينمائية معروفة وسبق عرضها عربياً أو عالمياً، لكن كل عشاق السينما ومتابعي الأفلام العالمية يدركون فوراً أن الفيلم مستوحى من فيلم «ماما ميا» الذي نال جوائز عدة وهو من إخراج فيليدا لويد وتوزيع شركة يونيفرسل ستوديوز، وتألقت فيه النجمات ميريل ستريب بدور الأم العازبة دونا شيريدان، وكريستين بارنسكي بدور تانيا وجولي والترز بدور روزي، ثلاث صديقات شكلن فرقة غنائية استعراضية اشتهرن بأغانيهن الشبابية (ارتكزت كلها على أغاني فرقة «آبا») ثم افترقن لسنوات طوال بسبب خلافات وابتعدت دونا لتقيم مع ابنتها الوحيدة صوفي (أماندا سيفريد) في جزيرة ذات طبيعة رائعة، ثم تقرر صوفي دعوة صديقات أمها لحضور زفافها فتعيد لم شمل الفرقة بطريقة غير مباشرة، وتتوالى الأحداث بإخراج رائع ومناظر طبيعية تنعش الروح والنظر، وأغاني ولوحات استعراضية لعبت دوراً مهماً في إنجاح الفيلم، بجانب القصة الناعمة والقادرة على سلب مشاعر الجمهور.

ملحوظات مهمة

لماذا نتناول «ماما ميا» بهذه التفاصيل؟ لأنها ملحوظات مهمة، لو أخذها صناع «مقسوم» بالاعتبار لحقق عملهم نجاحاً جيداً إن لم يكن مماثلاً، طالما أنه يرتكز على تيمة واحدة مع تعديل القصة لتبتعد عن الفيلم الأجنبي من ناحية ولتصبح مناسبة للمجتمع المصري والعربي من ناحية أخرى؛ فهنا نحن أمام ثلاث صديقات أسسن فرقة غنائية «أميتشي» (معناها الأصدقاء)، اشتهرن وقدمن حفلات قبل ثلاثين عاماً، أي قبل انفصالهن بسبب خلافات حالت دون عودتهن إلى الغناء؛ هند (ليلى علوي) وإيمي الملقبة بالديفا (شيرين رضا) ورانيا (سما إبراهيم)، كل منهن تعيش حياتها الخاصة هند بوهيمية تعيش وحيدة مع كلبها «مدحت»- لاحقاً نفهم لماذا أطلقت عليه هذا الاسم، إيمي مهووسة بالتجميل وتعتني بأناقتها وبوالدها (لطفي لبيب) وبابنتها الوحيدة هند (هاجر السراج)، وقد فرضت على ابنتها وزوجها وائل (محمد شاهين) العيش معها ووفق شروطها، بينما رانيا تزوّجت من مدحت (سيد رجب) الذي كان مدير أعمال فرقة أميتشي، وتفرّغت لرعاية أبنائها وأحفادها؛ المؤلف وجد حجة غير مقنعة كثيراً من أجل إعادة لم شمل هذه الفرقة، من خلال المخرج هيثم (عمرو وهبة) ومساعدته سارة (سارة عبد الرحمن)، الذي يبحث عن فرقة غنائية لفيلمه، فتبحث سارة عن الفرقة المنسية وتقرر إعادة لم شمل مطرباتها عارضة عليهن إقامة حفل في نفس الفندق الذي غنين فيه قبل ٣٠ عاماً في أسوان.

المشاهد الغنائية والموسيقية

نفهم أن ترغب المخرجة كوثر يونس في تصوير الفيلم في أماكن تتمتع بطبيعة رائعة وعلى ضفاف النيل، مثلما تم تصوير «ماما ميا» في اليونان، لكن الكتابة لم تكن مقنعة لتبرر لنا سبب موافقة الصديقات الثلاث المفترقات منذ زمن على كسر هذا الجمود اليوم والموافقة على السفر إلى أسوان معاً؟ كما لم تقدم لنا مساحة كافية من المشاهد الغنائية والموسيقية الاستعراضية، سواء حين كانت الفرقة في عز انطلاقتها وهن شابات أم بعد وصولهن إلى أسوان! افترقن بسبب مدحت، لكن الرغبة في تصوير فيلم ليست كافية لإعادة المياه إلى مجاريها، ثم كيف وافقن على العمل معاً وهن غاضبات ولا تطيق إحداهن الأخرى؟ ولماذا كانت انطلاقة الفرقة أصلاً من أسوان على الرغم من أنهن لسن من هناك؟ لو منحت كوثر يونس مساحة كافية لإحياء الذكريات عبر أداء الأغنيات بعد لقاء الصديقات، لانتعش الفيلم وتفاعل معه الجمهور أكثر، لكن المخرجة ومعها المؤلف ركزا على الحوار والمواقف الكوميدية أكثر من الفنية الجمالية؛ ربما هرب المؤلف والمخرجة من منح الفيلم ما يستحقه من المساحة الكافية للاستعراض المبهج، كي لا تقترب مسافة التشابه بينه وفيلم «ماما ميا» فينتبه لها النقاد والجمهور، فسحبوا من رصيد العمل ولم يحولوا دون ربطنا بين هذا وذاك.

النجمات الثلاث تألقن وقدمن أدوارهن بشكل مميز فكن من أهم أسباب نجاحه، خصوصاً أنهن قدمن أغنيتي الفيلم بأصواتهن، وتدربن على عزف الآلات الموسيقية ليجسدن الحالة كما تستحق وكما يجب؛ أداء محترفات يُحترم، وتمنينا لو أن مجهودهن وأدائهن وجد في المقابل نفس القدر من العمق في الكتابة والعمق في الرؤية الإخراجية، لتمكن الفيلم من العيش طويلاً في الصالات محققاً إيرادات عالية، ولأصبحت الكتابة لقصص معظم شخصيات من جيل الكبار أكثر رواجاً.

فقدان التعمق

«مقسوم» هو أول فيلم روائي طويل للمخرجة كوثر يونس، بعد أن نجحت بأفلامها القصيرة، وللأسف لم تتمكن من نقل العمل إلى ما كان يستحقه بصفته فكرة وعملاً من بطولة ثلاث نجمات ليلى علوي وشيرين رضا وسما إبراهيم ومعهن سيد رجب وضيوف شرف مثل لطفي لبيب ومحمد ممدوح والمخرج هاني خليفة، حتى سيد رجب دوره مساند وليس من الشخصيات الدائمة الحضور على الشاشة.. كذلك الكاتب هيثم دبور لم يحبك قصته فيتعمق في تفاصيل كانت مهمة وضرورية تغنيه عن مشاهد جاءت عادية ومنها ما هو ضعيف ولا لزوم له، وحوارات بعضها كان ثرياً وبعضها أقل من عادي، على الرغم من أنه قدم معنى جميلاً للوفاء وللصداقة وأهميتها والتي لا تنفصل عن أهمية تمسك الإنسان بعائلته، كذلك لعب الكاتب على المعاني المتعددة لكلمة مقسوم، ومثلما تقول بطلات الفرقة في أغنية الفيلم الختامية: «لا فرح ولا حزن يدوم، سيب نفسك للمقسوم»، وقد أدينها بأصواتهن، قبل أن نسمعها في النهاية بصوت مغنيتها نانسي عجرم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4zv5d6uj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"