الإمارات وحوار الحضارات

00:09 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. خليل حسين

وسط عالم يعج بالنزاعات والصراعات، نُظمت في الإمارات العربية المتحدة فعاليات المؤتمر الدولي لحوار الحضارات والتسامح 2024، برعاية رسمية من وزارة التسامح والتعايش، وبتنظيم من مركز باحثي الإمارات للدراسات والبحوث، ويأتي هذا الحدث الدولي ضمن سياق اتخذته الإمارات في إطار ترسيخ موقعها ودورها الإقليمي والدولي المتجدد الأبعاد والأهداف، ولا يعتبر هذا النوع من الاهتمامات الإماراتية سابقة بحد ذاتها، بقدر ما هو نهجها الثابت، وهو بطبيعة الأمر مختلف ومتمايز، يراعي ما هو متصل بمستقبل العالم والمنطقة.

فالدعوة للحوار بحد ذاتها، هي عملية تتطلب جرأة فكرية وعملية، ينبغي أن تُهيَّأ لها بيئة مناسبة للبناء على ما يمكن التوصل إليه من نتائج وبنى فكرية وعملية، سيما وأن السياقات السابقة لدعوات حوار الحضارات والثقافات والتعايش وبناء السلام، أخذت طرقاً نجح بعضها، فيما اُغلق بعضها الأخر لأسباب وخلفيات مختلفة ومتعددة، ذلك في وقت كانت الظروف تتطلب نجاحات سريعة، وسط عوامل ضاغطة أخذت العديد من المجتمعات نحو أماكن خطرة، حيث تراكمت فيها ظروف التطرف والإرهاب إلى حد نشوء بيئات انتقلت فيها تلك المظاهر إلى أعمال وأفعال مؤذية، زادت من الشروخ وصعّبت إمكانات التلاقي، وإمكانية البحث عن نقاط مشتركة لردم الهوات وتقريب الرؤى ووجهات النظر في القضايا الأساسية التي تهم مختلف الأمم والمجتمعات.

لقد هيأت الإمارات العربية المتحدة، جملة من البيئات الفكرية والسياسية التي رسمت ظروفاً أكثر انفتاحاً على قضايا كانت يوماً تعتبر من المواضيع التي يُحرّم التعاطي فيها، أو الإشارة إليها، فيما بدت اليوم من المسائل والقضايا القابلة للطرح والتفهم والوعي لطريقة التعاطي معها، بالقدر الذي لا يستفز أحداً، ولا يؤثر بشكل مباشر على أحد، وفي الواقع كان ذلك كله نتاج مسار ونهج من العمل الدؤوب على تهيئة بيئة فكرية واجتماعية وسياسية قادرة على تقبل المتغيرات.

وحوار الحضارات الذي اتخذته الإمارات طريقاً نحو بناء مجتمع منفتح يتقبل الآخر، ويبني معه ظروف السلام العالمي، هو أمر بحد ذاته يشكل تحدياً كبيراً في مواجهة الآخر، الذي ما زال يعتبر مجرد البحث في ثنايا عقل الآخر أمراً محرماً التفكير به أو التعاطي بشأنه، إلا أن الإمارات التي وضعت نصب أعينها الوصول إلى مجتمع السعادة، وارتياد عالم الفضاء، والمضي في الجوانب غير المعتاد عليها في المجتمعات الشرقية، لهو أمر استحق المتابعة والبناء عليه.

وفي واقع الأمر، إن الحوار في القضايا ذات البعد الإنساني والدولي أمر واجب الاستمرار، والحث على متابعته والعمل على تهيئة عوامل نجاحه، من هنا اهتمت الأمم المتحدة في ريادة تلك القضايا دولياً، وفتحت مجالات التعاطي معها عبر اللقاءات الدولية المتعددة الأطراف، بهدف جعل الحوارات أمراً دائماً ومستمراً، ولو في الظروف القاتمة، حتى باتت لهذه القضايا الأطر التنظيمية المستقرة في العديد من الوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة.

وما يشجع على استمرار الاهتمام بذلك، ضرورة إشاعة مقومات الحوارات لتقبل الآخر وإيجاد مساحات مشتركة بين البيئات الفكرية والثقافية والاجتماعية المتباينة، بهدف التخفيف من عوامل النزاعات والعمل على تقويض انتشارها، بخاصة، أن ثمة إجماعاً على أن الحوار هو الطريق الأنجح لتقليص المسافات، ومواجهة معوقات فهم تفكير الآخر وطريقة تعاطيه مع الأزمات القائمة.

لقد انتشرت في العقود الثلاثة الماضية المزيد من مظاهر التطرف والعنف، وانتقلت من مجرد أفكار وأساليب فكرية وسلوكية إلى تنفيذ أعمال تطورت إلى مستويات إرهابية، وانتشرت بشكل مرعب حتى في المجتمعات التي لم تكن يوماً مهيأة لاحتضان وانتشار مثل تلك المظاهر.

ثمة العديد من الوسائل التي يتم التركيز عليها في مسارات الحوارات القائمة ومن بينها مؤتمر الإمارات القائم على مبادئ وأسس، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، حظر الخطاب الإعلامي المحرض على العنف والكراهية والتكفير والإرهاب، والعمل على حماية المجتمع من أخطار ذوي العقول المنحرفة والعمل على تقويض قدرات تضليل الرأي العام وتشويه الحقائق، من خلال وسائل الإعلام المهنية في إنتاج خطاب إعلامي مستنير يجمع ولا يفرق، وحماية الشباب وتحصين عقولهم من الأفكار الدخيلة التي تؤدي إلى التطرف الفكري، من خلال إعداد برامج تربوية وتفعيل الحوار الهادئ والنقاش البناء، وملء الفراغ الفكري والعاطفي، والانخراط في ورش ودورات تنمية القدرات والمهارات، وإتاحة فرص العمل للخريجين الشباب، والعمل على معالجة الضغوط الاجتماعية والنفسية التي تؤدي إلى التطرف العنيف، وترسيخ مفهوم التفكير الناقد بهدف تمييز الآراء والأفكار التي تميز بين الخير والشر، وتشجع ثقافة الرأي والرأي الآخر، وتفعيل ثقافة الخلاف للتعرف على الاتجاهات الفكرية والثقافية السائدة في المجتمع بهدف تشجيع الاتجاهات والأفكار الإيجابية، ومواجهة السلبية، ومساعدة الأفراد على تقبل الآراء المخالفة.

لقد بات من المؤكد، أنه عندما يغيب الحوار والانفتاح، تنتصر مظاهر التطرف والعنف، ويسهل معها الانتقال من العنف الفكري إلى العنف العملي، وعندها يصعب التعاطي وإيجاد الحلول للمشاكل القائمة، وهذه هي ضرورات مؤتمرات الحوارات المدرجة في جدول أعمال الإمارات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/43d2sde5

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"