عادي

«الغَرِيبُ المُصَنَّفُ».. ألف باب في أسماء الأشياء والمخلوقات

23:45 مساء
قراءة 4 دقائق
مغلف كتاب الغريب المنصنف

الشارقة: جاكاتي الشيخ

ينحدر أبو عبيد القاسم بن سلام من أفغانستان، حيث ولد في مدينة هراة الخراسانية لأب من أصل رومي، وعاش ما بين عاميّ 157 ه/774 م و 224 ه/838 م متنقلاً بين مسقط رأسه الذي تلقى فيه مبادئ العلم حسب رغبة أبيه الذي كان لا يحسن العربية، وبين البصرة والكوفة وبغداد حيث دَرَس ودرَّس اللغة والفقه والحديث والكلام، ودمشق التي تلقى الحديث على عدد من شيوخها، قبل أن يرجع إلى مسقط رأسه ويعمل في التدريس وتأديب أبناء الولاة، ثم عمل قاضياً لطرسوس، وعاش زمناً في مصر، ليحج بعد ذلك إلى مكة التي بقي فيها حتى وفاته.

اشتهر كعالم لغة وفقيه ومحدث وإمام من أئمة الجرح والتعديل، حتى قال عنه الجاحظ: «لم يكتب الناس أصح من كتبه ولا أكثر فائدة»، وألّف عشرات الكتب، من أشهرها: «غريب المصنّف» و«غريب الحديث»، و«غريب القرآن»، و«معاني القرآن»، و«الشعراء»، و«القراءات»، و«الأموال» الذي يُعد من أمهات الكتب في الاقتصاد الإسلامي.

وكان من أساتذته: إسماعيل بن جعفر، وأبو عمرو الشيباني، والكسائي والفراء والأصمعي، ومحمد بن الحسن الشيباني، والقاضي أبو يوسف، ورغم سعة علمه في علوم اللغة، إلا أنه لم يتفق وقوع رواية له في الكتب الستة، ولكن نقل عنه أبو داود في تفسير «أسنان الإبل» في الزكاة، ونقل عنه البخاري أيضاً في كتابه «أفعال العباد»، وروى عنه وأخذ آخرون من بينهم ثابت بن عمرو بن حبيب، وأبو بكر بن أبي الدنيا، والحارث بن أبي أسامة، وعبد الخالق النيسابوري، ووكيع، والدارمي.

تقدير

«الغَرِيبُ المُصَنَّفُ» أو «مُصَنَّفُ الغَرِيبِ» هو أقدم معجم موضوعي عربي معروف، ألّفه أبو عبيد، وأورد فيه كل ما يتعلّق بأسماء وصِفَات الأشياء والمخلوقات بحسب الموضوع والمعنى، فحرص على تصنيف المفردات اللغوية في حقول دلالية موضوعية، وقد حظي الكتاب بتقدير علماء اللغة القدامى، حتى أنهم وضعوا له الشروحات والانتقادات ككتابَيْ: «شرح الغريب المصنف» لابن سيده الأندلسي، و«الرد على الغريب المصنف» لأبي نعيم الأصفهاني، وقد رُوِيَ عن أبي عبيد أنه قال وهو يتحدث عن هذا المعجم: «مكثتُ في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة، أتلقَّف ما فيه من أفواه الرجال، فإذا سمعتُ حرفاً عرفتُ له موقعاً في الكتاب، بِتُّ تلك الليلة فرحاً، ويستكثر أحدكم أن يسمعه مني في سبعة أشهر»

تزيد أبواب هذه المعجم على الألف، وهو مقسم على 27 كتاباً، حرص المؤلف خلالها على أن يحشر كل ما يتعلق بمواضيعها من أسماء وصفات، وهي: كتاب خلق الإنسان، وكتاب النساء، وكتاب اللباس، وكتاب الأطعمة، وكتاب الأمراض، وكتاب البيوت والأراضي، وكتاب الخيل، وكتاب الأسلحة، وكتاب الطيور، وكتاب الأدوات، وكتاب الجبال، وكتاب الأشجار والنبات، وكتاب المياه والقنوات، وكتاب النحل، وكتاب الغيوم والأمطار، وكتاب الأنواء والرياح، وكتاب أوزان الأسماء، وكتاب أوزان الأفعال، وكتاب الأضداد، وكتاب مكارم الأخلاق، وكتاب المرادفات، وكتاب الإبل ونعوتها، وكتاب الغنم، وكتاب الوحوش، وكتاب السباع، وكتاب الأجناس.

الاكتشاف

كان أول من حققه د. رمضان عبد التواب، الذي طبع جزءاً واحدا منه ونشره عبر مكتبة الثقافة الدينية في بورسعيد المصرية، سنة 1989م، حيث يقول: «إن قصتي مع هذا الكتاب، ترجع إلى سنة 1959م، حين توثقت صلتي بالمعاجم العربية وأنا أُحضِّر للدكتوراه في ميونيخ بألمانيا الغربية، ولفت نظري في هذه المعاجم كثرة تردّد ذكر أبي عبيد فيها، في اقتباس هنا وآخر هناك، وبعد البحث المتأني عرفت أن الكثرة الكاثرة من هذه الاقتباسات إنما تعود إلى كتاب «الغريب المصنف»، من مؤلفات هذا العالم الفذ أبي عبيد القاسم بن سلام، وبعد دراسة مستفيضة لهذا الكتاب العظيم، عقدت العزم على تحقيقه ونشره، واخترت من مخطوطاته المتناثرة هنا وهناك في مكتبات العالم خمس مخطوطات مهمة، يعود أقدمها إلى سنة 384 ه، أي بعد وفاة مؤلف الكتاب بنحو قرن ونصف من الزمان، وعندما جئت إلى القاهرة سنة 1962م بعد حصولي على الدكتوراه أنجزت تحقيقي للكتاب».

مصدر أساسي

ثم حققه بعد ذلك الباحث محمد المختار العبيدي، وطبعه ونشره كاملاً عبر بيت الحكمة بقرطاج، في ثلاثة أجزاء، الجزء الأول سنة 1989م، والجزء الثاني سنة 1993م، والجزء الثالث سنة 1996م، ويقول العبيدي في تقديمه: «يُعدّ هذا الكتاب مصدراً أساسياً لما صنّف بعده من أمهات معاجمنا الكبرى، مثل الصحاح للجوهري والمخصّص لابن سيده وغيرهما، ولكننا لا نستطيع اعتباره معجماً بل هو في المنزلة بين المنزلتين في تاريخ المعاجم العربية لمكانته بين الرسائل المفردة والمعاجم المهيكلة، فهو يمثّل«ذاكرة تاريخية» عجيبة من الاستعمالات المنسية التي تُظنّ مفقودة»، ويتابع العبيدي قائلاً: «يكفي أن نقرأ هذا الكتاب لنتعجّب من القدرات التعبيرية التي يوفّرها للمستفيد منه، خاصةّ أن أبا عبيد القاسم بن سلام لا يقدّم المفردات في قوائم جافة بل في سياقاتها من الشواهد الشعرية في الغالب».

وبعد ذلك حققه أيضاً د. صفوان عدنان داوودي، ونشره سنة 2005 عبر دار الفيحاء في دمشق، في ثلاثة مجلدات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc3aphmk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"