عادي
يرصد الضعف والعلاج وفق احتياجات الطلبة

التعلم العميق.. الحواسيب تتحدى المعلمين

01:56 صباحا
قراءة 5 دقائق
1

تحقيق: محمد إبراهيم

تأخذنا تطورات الذكاء الاصطناعي في التعليم إلى محطات نوعية لتقدم الطلبة والمعلمين، فقد ركز تعلم الآلة على الارتقاء بالمتعلمين، ومساعدة المعلمين، ومعالجة بعض مواضع الخلل، واليوم يطفو على الساحة التعليمية «التعلم العميق» الذي يُعلّم الحواسيب معالجة البيانات بطريقة مستوحاة من الدماغ البشري، ليدخل المعلمون في تحدٍّ جديد مع قدرات الحاسب.

في وقت أكد خبراء أن خوارزميات التعلم العميق عبارة عن شبكات «عصبونية» مصممة على غرار الدماغ البشري، وجدت لتُعلِّم الحاسوب، في محاولة من الذكاء الاصطناعي لتدريب الحواسيب على التفكير والتعلم كما يفعل البشر، ما يشكل تحدياً حقيقياً للمعلمين.

في المقابل أفاد عدد من المتخصصين بأن خوارزميات التعلم العميق تحظى بأربع مزايا تجعلها متفوقة على تعلم الآلة، ولكنها تعاني في الوقت ذاته 5 سلبيات، أبرزها الكلفة الباهظة، والتعقيد والصعوبة، والتحديات الأخلاقية.

عدد من التربويين أكدوا أن التعلم العميق يعد التحدي القادم الذي يستنهض طاقات المعلمين في مجتمعات التعليم، لقدرة الحاسوب على التعامل مع العملية التعليمية والمتعلمين وفق رؤى وتنبؤات دقيقة، ترصد الضعف وتعالجه بحسب احتياجات الطلبة.

ويرى عدد من المعلمين أن التدريب العميق الوسيلة الأفضل لمواكب التحدي القادم، مؤكدين أن الذكاء الاصطناعي في التعليم جعل الكوادر التدريسية في حالة استنفار دائم بسبب تطوراته المستمرة ومستجداته التي تحاكي عمق العملية التعليمية.

«الخليج» تناقش مع خبراء وقيادات تربوية ومعلمين، مخاوف المعلمين في الميدان، مع ظهور خوارزميات التعلم العميق وقدراته ومستجداته وتحولاته، وكيفية الارتقاء بمهارات المعلمين أمام تطور أداء الحواسيب في قطاع التعليم.

شبكات عصبونية

البداية كانت مع خبير الذكاء الاصطناعي الدكتور محمد عبد الظاهر، الذي شرح ل«الخليج» ماهية التعلم العميق، إذ يعد فئة فرعية من تعلم الآلة يعتمد على الشبكات العصبية الاصطناعية، ويركز على تقليد العقل البشري عبر تصميم خوارزميات مستوحاة من بنية القشرة الدماغية، وهنا يعتبر تقنية حاسوبية تحاكي القدرات البشرية، مثل فهم اللغة الطبيعية والأصوات ومحتوى الصور.

وقال إن خوارزمياته مصممة للتعرف إلى أنماط معقدة للصور والنصوص والأصوات والبيانات، وإنتاج رؤى وتنبؤات دقيقة، مع استخدامه في أتمتة المهام التي تتطلب عادةً ذكاءً بشرياً، في محاولة من الذكاء الاصطناعي لتدريب الحواسيب على التفكير والتعلم كما يفعل البشر.

آثار عميقة

وفي إيضاحه لمدى تأثير التعلم العميق في عمل المعلمين، أفاد بأنه يؤثر بشكل كبير في الأداء والإنتاجية والمعالجة والجودة، فضلاً عن مؤثراته على تجربة التعلم للطلاب، إذ يمكّن المعلمين من تحسين أداء المتعلمين بتخصيص المحتوى التعليمي وفقاً لاحتياجاتهم الفردية، وتحليل الأداء الطلابي، وتحديد نقاط القوة والضعف، ما يساعد المعلمين على توجيه جهودهم بشكل أفضل.

وأضاف أنه يسهم بفاعلية في استحداث موارد تعليمية مبتكرة، وإنشاء التطبيقات التفاعلية والمحتوى المخصص، كما أن النماذج العصبية يمكنها تطوير أنظمة تقييم الطلبة بشكل أكثر دقة وعدالة، ويمكن للمعلمين الاستفادة من التعلم العميق لتحديث المناهج الدراسية وتضمين مفاهيم حديثة، مشيراً إلى أن التعلم العميق يمكن أن يكون أداة قوية لتحسين تجربة التعلم وتطوير مهارات المعلمين في تقديم تعليم فعّال ومبتكر.

مزايا نوعية

وفي حديثها معنا، أكدت الدكتورة جنات عبد الله المتخصصة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والبرمجة، أن التعلم العميق قادر على تحليل كميات كبيرة من البيانات وفهم غير المهيكلة منها، بشكل أكثر عمقاً مقارنة بأساليب تعلّم الآلة التي تجد صعوبةً في معالجة هذه النوعية من البيانات لاحتوائها على فروق واختلافات لا حصر لها.

وأفادت بأن شبكة التعلم العميق تتمتع ب5 مزايا نوعية بتعلّم الآلة التقليدي، تتضمن المعالجة الفعالة للبيانات غير المهيكلة، إذ تجد أساليب تعلّم الآلة صعوبةً في معالجة تلك البيانات، فضلاً عن اكتشاف العلاقات والأنماط الخفية، والتعلم بدون إشراف، إذ يمكن لنماذج التعلم العميق أن تتعلم وتتحسن بمرور الوقت، استناداً إلى سلوك المستخدم، إضافة إلى معالجة البيانات المتطايرة التي تحتوي على تباينات واختلافات كبيرة.

تحديات مؤثرة

وفي ردها على سؤال حول تحديات هذا النمط التعليمي، أكدت أن التعلم العميق مجال قوي ومبتكر، ولكن هناك سلبيات يجب أن يأخذها المعلمون والباحثون في اعتبارهم، أبرزها الكلفة العالية، إذ إن برامجه تتطلب موارد متقدمة، من حيث الأجهزة والبيانات والتدريب، والتحدي الثاني يكمن في التعقيد والصعوبة، إذ إن فهم وتطبيق تقنيات التعلم العميق يتطلب معرفة متقدمة بالرياضيات والبرمجة، ما يشكل تحدياً للمعلمين غير المتخصصين في هذا المجال.

ويحاكي التحدي الثالث اعتماد التعلم العميق على البيانات الضخمة للتدريب، قد يكون من الصعب الحصول على مجموعات بيانات كبيرة ومتنوعة، وتشكل التحديات الأخلاقية التحدي الرابع، إذ قد يثير استخدام التعلم العميق قضايا أخلاقية، مثل الخصوصية والتحكم البشري، أما التحدي الخامس فيكمن في صعوبة تفسير نماذج التعلم العميق، وعدم قدرة المعلمين على فهم كيفية اتخاذ القرارات من قبل هذه النماذج.

وقال: «يعد التعلم العميق تقنية جديدة نسبياً، وما زالت تواجه معوقات عند التنفيذ العملي، إذ ينبغي تنظيف ومعالجة البيانات الضخمة قبل تدريب نماذج التعلم العميق، كما أن المعالجة المسبقة لبيانات الإدخال تتطلب كميات كبيرة من سعة التخزين، فضلاً عن أن خوارزميات التعلم العميق كثيفة، وتتطلب بنيةً أساسيةً ذات قدرة حوسبة كافية لتعمل بشكل صحيح».

تحدٍّ حقيقي

وفي وقفة معهم، أكد الدكتور فارس جبور، وسلمى عيد، ومحمد كمال، ورانيا أنس، أن التعلم العميق يشكّل تحدياً حقيقياً للمعلمين في الميدان، لا سيما أن معظمهم ليس لديه دراية كافية عن هذا الوافد الجديد، فضلاً عن عدم قدرتهم على البرمجة وتحليل البيانات. وأفادوا بأن الذكاء الاصطناعي يستحوذ على مسارات تطوير عملية التعليم والتعلم، والإدارة التربوية، والإشراف والمتابعة، كما قدّم طرائق معالجات متقدمة لمستويات المتعلمين، وكان «تعلم الآلة» أبرز مخرجاته، والجميع يلهث الآن وراء مستجداته وتحولاته، معتبرين أن التعلم العميق أبرز التحديات التي تواجه المعلمين، فالحواسيب تتحدى المعلمين، لنعيش تنافساً كبيراً بين قدرات الحاسوب وخبرات العقل البشري.

تغيير وتحسين

وقالوا إن التطوير يعد أكبر التحديات التي تواجه المعلم حالياً، وعلى الرغم من التحديات ينبغي أن يتأهل ويستعد لأي تحول أو تغير مهنياً ومهارياً، لا سيما أن مستوى تطويره ينعكس على أسلوبه التعليمي، ورغبته في التغيير وتحسين كفاءاته الشاملة.

وشددوا على أهمية الارتقاء المستدام بكفاءة وقدرات كوادرنا، لتواجه وتنافس أجهزة الحاسوب التي يتم تأهيلها لتضاهي عقول البشر، لا سيما أن نسبة القادرين على التعامل مع الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته، ما زالت متواضعة.

منافس قوي

في المقابل يرى عدد من المعلمين والمعلمات «سامح منير، منى الأحمدي، وريبال العطا، وسارة عبد الله، وإبراهيم القباني»، أن ظهور التعلم العميق وقدراته على القيام بأدوار المعلم، أبرز التحديات الجديدة التي تفرض على المعلمين ولا محالة التطوير المستدام، لمواكبة سرعة ودقة النمط التعليمي الذي يستند إلى الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات والبرمجة، فهذا التطور ليس مجرد ظاهرة وقتية، بل سيأتي يوم وسيكون منافساً قوياً للمعلمين في مجتمعات التعليم. وأكدوا أهمية تطوير المعلمين لمواكبة المستجدات في طرائق التدريس واستراتيجياته، إذ إن أكبر تحديات المعلم في الوقت الراهن تكمن في كيفية المحافظة على تطوير مهاراته، في ظل تطورات الذكاء الاصطناعي التي باتت منافساً قوياً للمعلم.

التغلب على الكلف

أفاد خبراء بأن التعلم العميق متاح وميسر إذا تم استغلال الموارد بذكاء، إذ يمكن التغلب على الكلف العالية، بالتعلم الذاتي والموارد المجانية، والمشاركة في مؤتمرات متخصصة، واستخدام الأدوات المفتوحة المصدر، مثل TensorFlow وPyTorch، والتعاون مع الجامعات والمؤسسات البحثية.

تأهيل المعلمين

شدد خبراء وتربويون على أهمية تأهيل المعلمين للتعلم العميق وتقنياته، من خلال التعلم الذاتي، واستخدام الموارد المتاحة عبر الإنترنت، والتدريب المتعمق، وتطبيقات التعلم العميق في التعليم، والتعاون مع الخبراء؛ لتبادل المعرفة والخبرات والاستفادة من نصائحهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ykd7dbf7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"