عالم منزوع الرحمة

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

عندما تعلن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) أن أغلبية الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة لم تعدْ لديهم الطاقة للبكاء بسبب المجاعة التي تصنعها إسرائيل بهمجية منقطعة النظير، وتعلن بيانات دولية عدة أن الوضع الإنساني فوق الاحتمال والوصف، وتقول العواصم الأوروبية وواشنطن، إنها «قلقة» وتطالب بوقف الحرب، من دون أي إجراء عملي لوقفها، فإن موقف النظام الدولي المتهاوي كمن أطلق النار على قدميه، ولم يعد قادراً إلا على إطلاق الخطابات الجوفاء.

على مدى أكثر من خمسة أشهر من الحرب الإسرائيلية الحاقدة، وقعت مجازر وفظاعات وفضائح للمجتمع الدولي، وبالمقابل لم تتوقف البيانات الرنانة، وبعضها تفنن في أساليب البلاغة والبيان؛ لإظهار الأسف والتباكي على أطفال غزة ونسائها، وضرورة وقف إطلاق النار فوراً، وإدخال المساعدات الإغاثية بالكميات والأحجام التي تفي باحتياجات القطاع المدمّر، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، بينما يتواصل القتل العبثي والتهجير والتدمير المدروس لكل مرافق الحياة.

ومن المفارقات أن الانتهاكات الجارية لا تحتاج إلى أدلة لتصنيفها كجرائم حرب وجرائم إبادة ضد الإنسانية، ومع ذلك لم تتخذ الأمم المتحدة، وذراعها الطولى مجلس الأمن، أي موقف أو تحرك حقيقي يلجم إسرائيل، أو يفرض عليها عقوبات، أسوة بكل القوى والأطراف التي انتهكت القانون الدولي واعتدت على المعاهدات الملزمة بعدم تجاوزها، لكن إسرائيل لم تتجاوزها فحسب، بل داست عليها وأحرقتها، وتتجرأ على توبيخ من يطالبها بالكفّ عن هذا النهج الذي يدين مصداقية العالم كله الذي أصبح منزوع الرحمة.

حرب غزة تستمر من دون أفق، ويصّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تنفيذ اجتياح مدينة رفح، التي يراها ضرورية لتحقيق نصره الذي يتراءى له كالسراب دون أن يحققه. ورغم النداءات والضغوط، حتى من الجانب الأمريكي، بدأ الاجتياح غير المعلن عبر الضربات والغارات التي خلفت مئات الضحايا خلال الأيام الماضية، في وقت يزداد فيه وضع النازحين بؤساً، وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من نصف سكان قطاع غزة يواجهون مجاعة وحشية، وأن معدلات الوفيات بين الأطفال والنساء الحوامل وأثناء الوضع ترسم صوراً مأساوية تتسرّب في بعض الشهادات النادرة. فقد روى طبيبان فرنسيان أمضيا أسابيع عدة في المستشفى الأوروبي في غزة، قصصاً عن الوضع المروّع في هذا المستشفى؛ حيث يتم إجراء عمليات جراحية في ظروف «فظيعة» وسط نقص حاد في المواد المطهرة، وعويل المرضى والمصابين وحالات الوفاة «التي لا مفر منها».

والصور المأساوية نفسها، أو أسوأ منها، يعيشها مجمع الشفاء الكبير، الذي جرى اجتياحه وترويع المرضى والنازحين إليه مرات عدة، وما من قوة غاشمة تجعل من المستشفيات ساحة حرب إلا إسرائيل، وهذه الحقيقة لا ينكرها أحد، بمن فيهم المسؤولون الأمريكيون، الذين باتوا يشعرون بالحرج من طول دفاعهم عن هذه الحرب التي لم تقتل الأبرياء في غزة فحسب، بل والضمير الدولي والأخلاق والأعراف المتوارثة منذ قرون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/59xumcvn

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"