زيادة المخاطر على الملاحة

00:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

لا تستبعد شركات الملاحة البحرية ومراكز الأبحاث التي تدعم صناعة النقل البحري تنفيذ الحوثيين في اليمن تهديدهم مطلع شهر مارس (آذار) بتوسيع نطاق استهدافهم السفن أبعد من مضيق باب المندب إلى خط الملاحة البحرية في المحيط الهندي.

منذ بدأ الحوثيون هجماتهم على السفن التجارية التي تستخدم خط الملاحة باب المندب – البحر الأحمر – قناة السويس في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي لمنع السفن المتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، حولت بعض الشركات رحلات سفن الحاويات والناقلات إلى طريق رأس الرجاء الصالح حول إفريقيا لتفادي مناطق استهداف الحوثيين.

ومع مطلع هذا العام بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا، في إطار القوة العسكرية البحرية في البحر الأحمر لحماية التجارة الدولية، استهداف مواقع الحوثيين داخل اليمن، ووسّع الحوثيون نطاق هجماتهم في البحر الأحمر لتستهدف أيضاً أي سفن يعتبرونها أمريكية أو بريطانية. كل ذلك جعل أكثر من نصف السفن التجارية تبتعد عن البحر الأحمر وتلجأ إلى استخدام خط رأس الرجاء الصالح في مسيرتها بين أوروبا وآسيا، ويضاعف ذلك كلفة الشحن البحري بسبب استهلاك الوقود وارتفاع أقساط التأمين، إضافة إلى التأخير الذي يصل إلى أسبوعين ما عرقل سلاسل إمداد، حيث أوقفت بعض المصانع في أوروبا عمليات التشغيل.

تشير تقارير شركات الشحن البحري وشركات التأمين إلى، أنها تأخذ تهديدات الحوثيين باستهداف خط الملاحة الجديد على محمل الجد، خاصة وأن الضربات الأمريكية والبريطانية على مواقع الحوثيين في اليمن لا تبدو أنها ردعتهم عن استمرار هجماتهم على السفن في المنطقة. كما يبدو أن الحوثيين ما زالت لديهم القدرة على استهداف السفن ومهاجمتها، وأن ترسانتهم من المسيرات والصواريخ لم تدمر تماماً.

لكن حسب تلك التقارير، فإن المسيرات لدى الحوثيين، وإن كان مدى بعضها يتجاوز ألفي كيلومتر، ربما لا تسبب أي أضرار للسفن في المحيط الهندي وعلى خط رأس الرجاء الصالح كما يهدد اليمنيون. حتى الصواريخ التي يقترب مداها من ألفي كيلومتر لا تستطيع إصابة سفن متحركة بدقة مقابل سواحل تنزانيا كما يتوعد الحوثي. مع ذلك، فالخطر يزداد بما يجعل شركات التأمين توشك أن تضاعف الأقساط على الشحن البحري المار في المحيط الهندي، وسيزيد ذلك أيضاً من تعقيد الملاحة عبر البحر الأحمر وتضرر الدول المطلة عليه، خاصة مصر التي تراجعت عائداتها من قناة السويس بشكل كبير.

كذلك، تشير بعض تقارير الشركات ومجموعات التأمين إلى عودة عمليات القرصنة للسفن التجارية التي تستخدم خط رأس الرجاء الصالح من قبل القراصنة الصوماليين، ومع أن هناك قوة دولية لمراقبة نشاط القرصنة وردعه، إلا أن الجهود العسكرية في البحر الأحمر لردع الحوثيين تؤثر على فاعلية مواجهة القراصنة.

وهناك مخاوف الآن من التعاون بين الحوثيين في اليمن والقراصنة في استهداف السفن والناقلات في المحيط الهندي.

ما يعزز من تلك المخاوف أن الحوثيين بدؤوا للمرة الأولى مؤخراً استخدام قطع بحرية صغيرة مسيرة آلياً تمّ التحكم بها عن بعد لاستهداف السفن، ويمكن لذلك أن يكمل طريقة القراصنة الذين يستخدمون القوارب في مهاجمة السفن. على أن يكون ذلك بالنسبة للحوثيين بديلاً لقصور دقة الاستهداف بالمسيرات والصواريخ من مواقعهم في اليمن.

صحيح أن الحوثيين وحركة الشباب الصومالية يختلفان مذهبياً، لكن بعض الخبراء الغربيين يشيرون إلى حقيقة أن القراصنة الصوماليين ليسوا بالضرورة من حركة الشباب الإرهابية، وأنهم في كثير من الأحيان مجموعات مستقلة تستهدف العائد المادي من فدية أو سرقة محتويات السفن فقط، ويمكن للحوثيين التعاون مع هؤلاء بما يشكل خطراً أكبر على السفن التي تستخدم الممر الملاحي عبر رأس الرجاء الصالح.

ورغم محاولات الأمريكيين، عبر لقاءات سرية ومحادثات غير مباشرة ورسائل عبر وسطاء، إقناع طهران بالضغط على الحوثيين لوقف الهجمات وتهديد التجارة الدولية، إلا أن هذه المحادثات على ما يبدو لم تحقق ما يسعى إليه الأمريكيون بوقف الهجمات.

ما تخشاه صناعة النقل البحري والمعنيون بالتجارة الدولية وسلاسل الإمداد العالمية أنه إذا زادت وتيرة الصراع أبعد من غزة، وخاصة التصعيد بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، فإن تصعيد الهجمات على السفن في المحيط الهندي سوف يزداد أيضاً.

إن كل ذلك يمكن أن يشكل خطراً هائلاً على الملاحة البحرية والتجارة الدولية، بل ربما يعيد ضغوط التضخم في الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي تستعد فيه البنوك المركزية لخفض أسعار الفائدة مع هدوء ارتفاع التضخم. فزيادة كلفة الشحن البحري بشكل كبير ستعني المزيد من ارتفاع السلع والخدمات حول العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2tcc5rr3

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"