«مفاجآت» الانتخابات البلدية في تركيا

00:03 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. محمد نورالدين

أسدلت تركيا الستارة على الانتخابات البلدية التي جرت، يوم الأحد الماضي. لكن نتائج الانتخابات شهدت فتح مرحلة جديدة سترخي بظلالها المثيرة على السنوات الأربع المقبلة، قبل أن تجري الانتخابات المزدوجة، النيابية والأهم الرئاسية في عام 2028.

أسفرت الانتخابات البلدية عن مفاجآت بالجملة. وهي في الأساس لم تكن مرتبطة بقضايا إنمائية صرفه، بل إن البعد السياسي كان حاضراً بقوة. فبات الاقتصاد والسياسة جزءاً من خيارات الناخب، بمعزل عن طبيعة الانتخابات.

ولنعدّد الآن عناوين النتائج التي خرجت من الانتخابات، وكلها تدخل في خانة «المفاجآت»:

1- أولى المفاجآت، أنه للمرة الأولى في تاريخ حزب العدالة والتنمية، وبالتالي في مسيرة رجب طيب أردوغان منذ عام 2002 رئيساً للحزب، أو الحكومة، أو رئاسة الجمهورية، يتعرض الحزب لخسارة ثقيلة. وبعدما كان يتصدر كل الانتخابات الرئاسية والنيابية والبلدية، وحتى الاستفتاءات التي كانت تطرح، فشل الحزب في الانتصار، وبالتالي في احتلال المركز الأول ليجد له مقعداً في الصف الثاني.إذا نال 35 في المئة من الأصوات على مستوى كل تركيا متراجعاً ثماني نقاط عن انتخابات عام 2019.

2- المفاجأة الثانية،على الرغم من أن المعارضة دخلت الانتخابات مفككة، ومن دون أية تحالفات، فقد نجح حزب الشعب الجمهوري المعارض، في الحلول في المرتبة الأولى بنسبة 37 في المئة، للمرة الأولى من عام 1977 حين فاز بولنت أجاويد على رأس الحزب بالانتخابات النيابية بنسبة 41.4 في المئة. وتقدم على حزب العدالة والتنمية بفارق مليوني صوت (17 مقابل 15 مليوناً). واعتبر ذلك مفاجأة أيضاً، لأن حزب الشعب الجمهوري، ممثل العلمانية الأول، كانت تتراوح أصواته في مختلف الانتخابات من 25 إلى 30 في المئة. وبذلك تقدم 7 نقاط عن آخر انتخابات بلدية في عام 2019، و12 نقطة عن آخر انتخابات برلمانية قبل عشرة أشهر.

3- لكن انتصار حزب الشعب الجمهوري على أهميته على مستوى تركيا، لم يكن ليتفوق على نجاح الحزب في اكتساح مرشحي حزب العدالة والتنمية في معظم المدن الكبرى، ولا سيما في إسطنبول، وأنقرة، وإزمير، وبورصة، وأضنة، وأنتاليا، ومرسين، وكوتاهيه، وغيرها من المدن الكبرى، وبفوارق كبيرة جداً غير متوقعة البتة.

4- استطراداً، فإن العين كانت على مدينة إسطنبول. فهي «مربط فرس» الرئيس أردوغان الذي يقول دائماً من يربح في إسطنبول، يحكم تركيا. وها هو أكرم إمام أوغلو يربح المدينة وبفارق كبير بلغ 12 نقطة على الأقل (51 مقابل 39 في المئة). وكان أردوغان يعلق أهمية كبيرة على فوز مرشحه هناك مراد قوروم.. والهمّ الرئيسي لدى أردوغان كان في أن فوز إمام أوغلو، في حال تحقق، سيجعل من إمام اوغلو منافساً جديّاً له في انتخابات الرئاسة لعام 2028. لذلك وصفت معركة إسطنبول بأنها معركة الرئاسة التركية. هذا طبعاً في حال نجح أردوغان في تعديل الدستور للسماح له بالترشح مرة ثالثة (عملياً الرابعة) للرئاسة. وتعديل الدستور ربما يكون حالياً أكثر صعوبة، خصوصاً أن تحالف العدالة والتنمية والحركة القومية لا يملك العدد اللازم من النواب في البرلمان لتعديل الدستور، أو حتى لتحويل اقتراح التعديل لاستفتاء شعبي.

5- أيضاً، فإن مرشح حزب الشعب الجمهوري في أنقرة منصور ياواش، فاز بفارق خرافي على مرشح العدالة والتنمية طورغوت ألتين اوك بلغ ثلاثين نقطة (60 مقابل 30 في المئة). وهذه النتيجة أيضاً في غاية الأهمية لأن ياواش مرشح طبيعي وقوي لرئاسة الجمهورية، وهذا الفارق قد يزيد من فرص ترشحه للرئاسة.

6- أما النجم الأكبر الذي أخرجته الانتخابات البلدية من جعبتها فكان «حزب الرفاه من جديد» الذي يتزعمه فاتح إربكان، ابن الزعيم الراحل نجم الدين إربكان. وقد تقدم الحزب، على الرغم من قصر عمره اذ تأسس عام 2018، ليكون الحزب الثالث في تركيا بنسبة 6.19 في المئة، بل ليسجل انتصاراً تاريخياً على مرشح العدالة والتنمية في بلدية شانلي اورفه الكبيرة، على الحدود مع سوريا، وكذلك في محافظة يوزغات. وأهمية حزب إربكان الجديد أنه يأكل من كتلة المحافظين المؤيدين لحزب العدالة والتنمية.

7- يبقى أن حزبَي التيار القومي المتشدد، الحزب الجيد المعارض، وحزب الحركة القومية حليف أردوغان كانا من أكبر الخاسرين مع تراجع أصواتهما.

8- أما «حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب» الكردي فقد حافظ على شعبيته، وفاز في عشر محافظات في جنوب شرق البلاد.

9- ويمكن القول إن الخسارة التي مني بها حزب أردوغان كانت بالدرجة الأولى بسبب الوضع الاقتصادي. كذلك فإن جزءاً من الفئة المحافظة المؤيدة للقضية الفلسطينية كانت معترضة على موقف الحكومة التركية ومواصلتها التجارة مع إسرائيل رغم حرب غزة، فذهبت أصواتها على الأرجح إلى حزب الرفاه من جديد.

10- يمكن القول إن مرحلة جديدة بدأت في تركيا ستشهد ازدياد حدة الاستقطاب بين التيارات السياسية. وسوف يسعى أردوغان لإصلاح ماتسبب في نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة، فيما ستسعى المعارضة التي أحيت آمالها من جديد، لاستكمال انتصارها والانقضاض، إذا أمكن لها، على حزب العدالة والتنمية،والوصول للسلطة في أول استحقاق انتخابي بعد أربع سنوات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/7dhkwzn4

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"