عادي
«التايم» تروي القصة الكاملة لدخولها عالم التقنيات

الإمارات تحجز مقعداً بين مطوري الذكاء الاصطناعي.. و«فالكون» هديتها

22:15 مساء
قراءة 6 دقائق

في مختبر أبحاث للذكاء الاصطناعي على أطراف إمارة أبوظبي، العام الماضي 2023، كان فريق دولي مكون من 25 عالم حاسوب يضع اللمسات الأخيرة على خوارزمية للتعلم العميق، قبل إرسالها للتدرّب على 4 آلاف شريحة حاسوب قوية. وتم تمويل نظام هذا الذكاء، الذي كلف تدريبه عدة ملايين من الدولارات، من قبل ذراع تابعة لحكومة أبوظبي تسمى مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة.
وعلى الرغم من الاستثمارات الكبيرة التي قامت بها الحكومة، قرر الأمين العام لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة، فيصل البناي (عين لاحقاً مستشارا لرئيس الدولة لشؤون الأبحاث الاستراتيجية والتكنولوجيا المتقدمة)، إطلاق النموذج النهائي عبر الإنترنت مجاناً، ورأى أنه إذا كان الأمر جيداً، كما يعتقد الفريق، فإن تعزيز سمعة دولة الإمارات، سيكون كل العائد الذي تحتاج إليه الحكومة من استثماراتها.
وتكللت هذه الخطة بالنجاح، فعندما تم إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي، المسمى «فالكون» علناً في سبتمبر/أيلول الماضي، أحدث ضجة كبيرة. ووفقاً لبعض المقاييس، كان أفضل نموذج لغة كبير مفتوح المصدر (LLM)، متاحاً في العالم في تلك المرحلة، متفوقاً على أفضل النماذج التي تتيحها شركات مثل «ميتا» و«غوغل».
ويقول البناي في ذلك: «قبل إطلاق «فالكون»، لم نكن على الخريطة، لكن عبر 25 شخصاً من علمائنا، حققنا النجاح. وقد أحدث ذلك مفاجأة حقيقية».

الصورة
  • الإمارات تحجز مكانها

ولاحظ علماء الحاسوب في جميع أنحاء العالم هذا النجاح، ويقول فيليب شميد، باحث الذكاء الاصطناعي في منصة التعلم الآلي «هاغينغ فيس»، ومقرها في ألمانيا: «لم تكن دولة الإمارات معروفة جيداً من قبل بنماذج تدريب الذكاء الاصطناعي، لكن بعد ذلك، في اليوم التالي تقريباً، أدركنا أن لديهم الخبرة اللازمة لتدريب هذه النماذج، وإتاحة نمـــاذجهم مفتوحة المصدر، ونشر الأبحاث حولها، وهو ما يفيد الجميع».
وبدا أن «فالكون» هو العلامة الأولى على الصعود السريع لدولة الإمارات في عالم الذكاء الاصطناعي. وفي هذا المجال، تُعَد الولايات المتحدة والصين القوتين الثقيلتين في العالم بلا منازع. لكن دولة الإمارات، المحصورة بين القوتين العظميين، بدأت تتفوق على ثقلها؛ إذ تراهن بشكل كبير على التكنولوجيا محركاً لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، ولإبراز نفوذها الجيوسياسي خارج حدودها. وفي الأشهر الأخيرة، زار بعض أقوى الرؤساء التنفيذيين في وادي السيليكون دولة الإمارات، من ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لـ «مايكروسوفت» إلى جنسن هوانغ الرئيس التنفيذي لـ «إنفيديا».
وبينما عزز «فالكون» إيمان الحكومة الإماراتية، بأنها تمتلك ما يلزم لتصبح قوة في هذا الذكاء، إلا أنه أشار أيضاً إلى نقطة أكبر: إذا كانت هذه التكنولوجيا الجديدة القوية ستقود بالفعل إلى عالم جديد، فسوف يتشكل ذلك من قبل أولئك الذين يتمتعون بأكبر ثروة، وقوة في التكنولوجيا الموجودة حالياً.

  • بيئة عمل جاذبة

ويشير المسؤولون الإماراتيون إلى المزايا التي يمتلكونها، من احتياطيات نقدية ضخمة لدفع ثمن أجهزة «الحوسبة» أو أجهزة الحوسبة من الدرجة الأولى، وكميات كافية من الكهرباء، التي تعمل بالنفط والغاز الطبيعي والطاقة الشمسية، ليس فقط لتشغيل هذه الأجهزة؛ بل وأيضاً لجعل بناء مراكز بيانات جديدة أكثر جاذبية، مقارنة بأوروبا وأجزاء أخرى من آسيا، حيث تعاني الشبكات هناك اختناقات الطاقة.
ويعرب المسؤولون عن ثقتهم بأن هذه العوامل، ستسهم في جذب المهارات في الذكاء الاصطناعي في العالم، والذين يزداد الطلب عليهم.
ويقول البناي: «إن ما نمتلكه في دولة الإمارات سيمنحنا ميزة، وهي سلطة اتخاذ القرار لتحقيق ذلك. نعم، أنت بحاجة إلى بعض الضوابط والتوازنات، لكن في العديد من الأماكن، تتم المبالغة في ذلك».
ولدى أبوظبي أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، والتي تبلغ قيمتها الإجمالية نحــو 1.5 تريلــــيون دولار. وقد تم استخدام هذه الأموال وسيلــة لتنويع الثروة النفطية في دولة الإمارات وتحويلها إلى صناعات متنامية، ما يجعلها الخيار المثالي لقادة شركات الذكاء الاصطناعي، الذين يبحثون عن رأس المال اللازم للمشاركة في سباق الذكاء الاصطناعي. كما تبرز البلاد لاعباً يستحق المتابعة في عالم رقائق الحاسوب، التي يصعب إنتاجها والمستخدمة في تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي القوية.
وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» مؤخراً أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبين أيه آي»، التقى في فبراير/ شباط الماضي بمستثمرين يسعون إلى الحصول على ما يصل إلى 7 تريليونات دولار، لبناء شركة لصناعة شرائح الذكاء الاصطناعي يمكنها التنافس مع شركة «إنفيديا». وكان من بينهم مستثمرين من دولة الإمارات. وفي حال نجحت هذه الجهود، فمن الممكن أن تدفع الإمارات إلى موقع نفوذ كبير في عالم الذكاء الاصطناعي.

  • توسيع البصمة الإماراتية

وفي إحدى أمسيات ممطرة في أحد مختبرات البحث والتطوير في دبي، جلس عمر بن سلطان العلماء، وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد، لمناقشة طموحات الدولة في هذا المجال الذكاء. وعلى الجانب الآخر من الجدار الزجاجي، الذي يفصل غرفة الاجتماعات عن أرضية المختبر، يوجد روبوت توصيل مستقل صممه باحثون تمولهم الحكومة.
ويعرض العلماء، البالغ من العمر 34 عاماً، قائمة من الوسائل التي يمكن للذكاء الاصطناعي من خلالها، تحسين نوعية الحياة في الإمارات، من بينها تقليل الزحام المروري، وتحسين قدرة المستشفيات، والحد من البيروقراطية، وحتى إنشاء دليل سياحي مدعوم بالذكاء الاصطناعي للسياح. ويصر على أن تحسين نوعية الحياة هو المحرك الرئيسي لطموحات دولة الإمارات، بالإضافة إلـــى النمو الاقتصادي. ويقول في ذلك: «نعتقد بأنه من خلال الذكاء الاصطناعي، سنكون قادرين على توسيع بصمتنا الاقتصادية ونصبح حقاً أحد اللاعبين الكبار في مجالات معينة».
وكان العلماء يبلغ من العمر 27 عاماً فقط، عندما تم تعيينه في منصبه عام2017، وتم تكليفه بمهمة تحويل الإمارات إلى دولة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2031. ويقول أمانديب سينغ، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للتكنولوجيا، والذي عمل بشكل وثيق مع العلماء في جهود الأمم المتحدة لبناء إجماع عالمي حول الذكاء الاصطناعي: «يتمتع عمر بمصداقية فريدة بصفته أول وزير للذكاء الاصطناعي على المسرح العالمي. إنه أنيق للغاية، ويحب تكوين صداقات مع الناس. إن شبابه هو جزء أساسي من تلك الكاريزما».

  • تصنيع أشباه الموصلات

ويقول العلماء، إن دولة الإمارات لديها الطموح للمضي قدماً في اتجاه لعب دور أكبر في تصنيع أشباه الموصلات على مستوى العالم. ويشير إلى أن العالم يتطلع إلى اللامركزية في إنتاج هذه الأشباه خارج تايوان، وهي نقطة الاشتعال الجيوسياسية في الفناء الخلفي للصين، حيث يتم تصنيع معظم الرقائق المتطورة حالياً. ويؤكد أن عمل الإمارات مع الولايات المتحدة لتوسيع عنق الزجاجة «سيكون مربحاً للجميع، لأنه يضمن الاستقرار، والتماسك الاقتصادي بين الإمارات والولايات المتحدة».
وتم إصدار نموذج «فالكون» موجب ترخيص مفتوح المصدر، وفي فبراير خصص مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة مبلغاً قدره 300 مليون دولار لمـــؤسسة «فالكون»، وهي هيئة غير ربحية للإشراف على التطوير المستمر مفتوح المصدر لسلسلة نماذج اللغات الكبيرة. وكان التزام دولة الإمارات بالمصادر المفتوحة للذكاء الاصطناعي بمنزلة نجاح دبلوماسي، حيث كسبت أصدقاء فـــي دول الجنوب العالمي، التي لولا ذلك لكانت قد استُبعدت من تطوير الذكاء الاصطناعي المكلف.
ووفقاً للعلماء، يتمثل جزء كبير من التفكير وراء التزام دولة الإمارات بالمصادر المفتوحة في جذب كبار الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي، بعيداً عن الوظائف المربحة في شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون، وذلك من خلال منحهم إحساساً بأهمية الهدف الأسمى في تحسين وتغيير حياة المجتمعات إلى الأفضل.

الصورة
  • تضاعف عدد العاملين

وقد تضاعف عدد العاملين في الذكاء الاصطناعي في الإمارات أربع مرات ليصل إلى 120 ألفاً، في الفترة من 2021 إلى 2023، حسبما صرح العلماء مؤخراً لـ«بلومبيرغ». ويوضح البناي: «إنه مكان أشبه بالجنة للباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي... لديك أنظمة الحوسبة، ويمكنك الوصول إلى البيانات، ولديك القدرة على جمع التمويل اللازم لإجراء أبحاثك. لا يوجد الكثير من الأماكن التي لديها كل ذلك تحت سقف واحد».
وفي الصيف الماضي، سافر سام ألتمان إلى الإمارات ضمن جولة عالمية للاستفادة من نجاح برنامج الدردشة الشهير «تشات جي بي تي» وقال للحشد: «آمل أن تتمكن المنطقة من لعب دور مركزي في هذه الحدث العالمي»، مشيداً بالحاضرين الذين قال إنهم كانوا يناقشون الذكاء الاصطناعي قبل أن يصبح أمراً عالمياً.
وبعد أربعة أشهر، أعلنت شركة «جي42»، أكبر شركة في مجال الذكاء الاصطناعي في الإمارات، عن شراكة مع شركة «أوبين أيه آي»، وجاء في منشور على موقع «جي 42» الإلكتروني، أن الشركتين ستتعاونان لتقديم حلول الذكاء الاصطناعي المتطورة لدولة الإمارات والأسواق الإقليمية.
وكانت هناك شراكة لامعة أخرى للشركة الإماراتية، والتي وقعت، عام 2023 صفقة بقيمة 100 مليون دولار مع شركة «سيريبراس» في كاليفورنيا، لبناء ما تسميه «أكبر حاسوب فائق السرعة في العالم للتدريب على الذكاء الاصطناعي».
وبالعودة إلى مختبر البحث والتطوير الذي تموله الحكومة، يُظهِر العلماء جواً من الثقة بشأن الدور المستقبلي لدولة الإمارات العربية المتحدة في مشهد الذكاء الاصطناعي. ويقول مبتسماً: «إننا دولة تنجذب دائماً نحو الطموح.. نحن شعب طموح للغاية».
* مجلة التايم

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4h2w4pxt

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"