كثر الحديث مؤخراً عن الذكاء الاصطناعي التوليدي وكيف أنّه سيحدث ثورة تجعل مؤسسات العمل تستغني به عن أعداد كبيرة من الوظائف ومن يشغلها من الموظفين.
ولاقت هذه التنبؤات اهتماماً من البعض، خاصةً من يعلمون مدى مقدرات هذه التقنية، بينما قوبلت بعدم الاكتراث من البعض الآخر والحقيقة هي أنّ الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس مجرد موضوع جديد مثير للاهتمام بل طوفان قادم بقوة وباقٍ؛ فعلى الرغم من أن الأتمتة أثرت في غالبية المهن العمالية إلا أنّ الذكاء الاصطناعي سيقلب الأمور رأساً على عقب، بحسب ما وصفته شركة الاستشارات الإدارية الأمريكية «مكنزي».
قالت الشركة في تقرير حديث: إنّ الموظفين الأعلى تعليماً سيكونون الأكثر تأثراً. وفيما يلي خمس مهارات تساعد على مواكبة المشهد المتغير: التفكير التحليلي، التفكير الإبداعي، القيادة والتأثير الاجتماعي، الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، وحب المعرفة ومواصلة التعلم.
الذكاء الاصطناعي التوليدي هو نوع من الذكاء الاصطناعي قادر على توليد الصور أو النصوص أو أي محتوى آخر؛ ومن المتوقع أن تعمل هذه التكنولوجيا على تعزيز الإنتاجية وخفض التكاليف وخلق فرص نمو جديدة في مجموعة واسعة من المجالات.
وربما كانت تقنية الذكاء الاصطناعي موجودة منذ أكثر من 50 عاماً ولكنها أخذت هذا الحجم من الجدل منذ إطلاق تشات بوت الخاصة بشركة «أوبن ايه آي» في نوفمبر 2022، وسرعان ما أصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي موضوعاً للنقاش بين أصحاب العمل والموظفين على حدٍ سواء.
وتم تطوير التقنية، والتي أطلق عليها «تشات جي بي تي» وتعمل بالذكاء الاصطناعي، على نموذج لغة كبير يساعد المستخدمين على التوصل إلى إجابات للأسئلة وتحسين المقالات أو السير الذاتية وحتى إنشاء الصور ومقاطع الفيديو.
وأثار هذا الأمر جدلاً حول إمكانية قيام الذكاء الاصطناعي بإحداث ثورة في جميع القطاعات، ما يجعل الموظف زائداً عن الحاجة.
ومن المتوقع أن يقوم الذكاء الاصطناعي التوليدي بأتمتة المزيد من المهام «الموجهة نحو الروتين» والتي كانت تشكل جزءاً مهماً من العمل اليومي، ويترك للموظفين مهام التعامل مع الآخرين أو المعرفة.
- أهمية العقل البشري
من خلال البحث المتعلق بالذكاء الاصطناعي التوليدي حددت الشركة الاستشارات الإدارية «أوليفر وايمان» الفجوة بين تصور الموظفين وأصحاب العمل حول المهارات التي ستكون ذات أولوية قصوى.
ففي حين يركز الموظفون بشكل أكبر على التدريب على الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة يركز أصحاب العمل بشكل أكبر على التفكير التحليلي.
ففي عصر الذكاء الاصطناعي يُعد التفكير التحليلي أمراً بالغ الأهمية لأنّه على الرغم من قدرة التكنولوجيا على معالجة البيانات وتحليلها بكفاءة إلا أنّها لا تزال تتطلب إشرافاً بشرياً للمساعدة في تجميع النتائج والتوصل إلى استنتاجات مستنيرة.
والتفكير الإبداعي هو مهارة بشرية مميزة أخرى يجب على الناس منحها الأولوية، لأنّ الذكاء الاصطناعي التوليد رغم مقدرته على توليد أفكار جديدة بكفاءة، أو كتابة المقالات أو حتى صنع الموسيقى، فمن المهم ملاحظة أنّ هذه القدرة مبنية على البيانات التي تم تدريب الذكاء الاصطناعي عليها.
وبحسب «أوليفر وايمان» يفتقر الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى الفروق الدقيقة في السياق والحكم الأخلاقي الذي يجب على البشر تطبيقه في التحليل.
وليس له القدرة كالبشر على تحقيق استنتاج حدسي من معلومات محدودة أو الربط بين الأفكار المتباينة أو توليد حلول جديدة فعلياً.
وأظهر البحث أنّ المهام التي تتطلب مهارات التعامل مع الآخرين، كقيادة مجموعة موظفين، والمهام التي تعتمد على المعرفة أو الخبرة سوف تشغل، في نهاية المطاف، الجزء الأكبر من يوم العمل.
ومع ذلك، تشير الأبحاث إلى أنّ هذه المهارات، والتي تتمحور حول الإنسان كالقدرة على التكيف والإبداع والتأثير الاجتماعي وحب المعرفة، ستصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى إذا أراد الموظفون الحفاظ على قدرتهم التنافسية في مشهد الوظائف الجديد هذا. وفي النهاية ستكون هذه المهارات «البشرية» هي التي لا يمكن استبدالها بسهولة بالذكاء الاصطناعي التوليدي.
- مسايرة العصر
مع التبني المتسارع للتكنولوجيا يتفق الخبراء بشكل عام على أنّ الموظفين يمكنهم مواكبة متطلبات المشهد المتغير من خلال تعلم كيفية «تحسين المهارات» أو «إعادة تعلم المهارات».
وبالنهاية سيقع قدر كبير من المسؤولية على عاتق الشركات فيما يتعلق بتدريب القوى العاملة لديها وتحسين مهاراتها، خاصةً عندما يتعلق الأمر بتعلم كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة.
وفي استطلاعات شهرية تجريها «أوليفر وايمان» لأكثر من 200000 شخص في 20 دولة لجمع بيانات حول المواقف المحيطة بالذكاء الاصطناعي التوليدي والاتجاهات الأخرى، أظهرت النتائج أنّ أصحاب العمل يعطون الأولوية لمهارات معينة عندما يتعلق الأمر باختيار الموظفين الذين سيواصلون العمل.
