عادي

مساران لثقافة البخور في الصين

22:43 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة:«الخليج»

لثقافة البخور الصينية مساران رئيسيان: الأول هو البخور المخصص للقرابين، والثاني المخصص لاستعمالات الحياة اليومية، فمن المهم أن تبدي الاحترام للأرواح، كما أنه من المهم أن تعتني بنفسك، وقد كان إشعال البخور عادة يومية، بل إن اليوم عند قدماء الصينيين يبدأ بحرق البخور، وفي الصباح تشعل المباخر الصغيرة والكبيرة في المنزل بواسطة الأطفال الذين يذهبون إلى المدارس أو من خلال صاحب البيت نفسه.

يوضح كتاب «تاريخ ثقافة البخور في الصين» لمؤلفيه تنغ جون ولي شيانغ، والصادر عن بيت الحكمة بترجمة محمد عبد الحميد، أنه بالإضافة إلى شؤون الحياة اليومية يلعب حرق البخور أيضاً دوراً مهماً في احتفالات تقديم القرابين، وفي العادات المحلية، وفي شفاء الناس وإنقاذهم وكذلك العبادات، فعندما تتوقف الحياة العادية لا يتبقى منها إلا أنماط مرهقة وأسعار باهظة.

واقعياً، كان استخدام البخور في الصين منذ القدم لغرض تقليل الإحساس بالوجود، كان يمثل أسلوباً واقعياً، ولم يكن من قبيل اللعب ولا الترفيه، وعلى خلاف ثقافة خشب العود التي تنفرد بها اليابان، فإن مواد ومستلزمات البخور المستخدم بشكل شائع في ثقافة البخور الصينية، ليست فقط رخيصة الثمن، بل يسهل أيضاً الحصول عليها، ومنها نبتة الشيح الصيني وغيرها، كما احترم القدماء أيضاً خشب العود والصندل، فأكدوا أنه «لا يجوز غياب العود والصندل» وتمثل هذه الخلفية التقاليد الثقافية للوئام والاعتدال والنفعية.

يشير الكتاب إلى أن ثقافة البخور التي بدأت في فترة ما قبل تشين قد وصلت إلى ذروتها، بقيادة الأسرة الإمبراطورية في عهد أسرة هان الغربية، كما ازدهرت أصناف البخور الرئيسية إلى مستوى يعادل المتوفر بشكل أساسي، ومع استخدام البخور في عهد أسرة هان تشكلت تعبيرات رائعة، تاركة خلفها العديد من الحكايات والتلميحات، التي تم تناقلها عبر السنين.

إن ثقافة البخور في عهد أسرة تانغ كانت في أوجها وقمة ازدهارها، لم تترك خلفها أدوات البخور الرائعة والساحرة فحسب، بل كان لها الفضل أيضاً في توليد المزيد من أصناف وأنواع البخور، وفي عصر أسرة سونغ تغيرت الصور وظهر الأدباء والبيروقراطيون على مسرح علوم البخور، واستحضر هذا تأثيراً اجتماعياً هائلاً، وسواء كان التطور يتعلق بدعم الأُسر المالكة السابقة أم بالدعم الديني، فإن الإنجازات الأكبر فيما يخص بحث وتطور البخور وتجارب استخدامه، كانت على يد الإمبراطور وين زونغ وعائلته.

منذ عهد أسرتي مينغ وتشينغ، عاش الأدباء في عزلة، ولم يتمكنوا من الانفصال عن البخور، وتركوا الكثير من الملاحظات على الدراسات المتعلقة به، وكانت فترة زادت فيها الإسهامات في هذا المجال بشكل كبير، وعلى الرغم من وجود العديد من العلماء المتخصصين في البخور، فإن ثقافة البخور في المجتمع بدأت تتحول إلى إجراء شكلي.

حضارة

يرى الكتاب أنه إذا قسمت منافع البخور إلى ثلاثة مستويات ستكون كالتالي: أولاً الرعاية الصحية، مثل الحفاظ على الصحة وعلاج الأمراض والتعقيم والتطهير وإزالة الديدان والروائح الكريهة. ثانياً: تغذية الجسد والعقل، بما في ذلك إنعاش العقل، والتأمل من أجل الفرح، أو حتى مجرد محاولة شم روائح زكية. ثالثاً: تنمية الفضيلة والتأمل في سكون، والمشاركة في فلسفة التنوير.

يشير الكتاب إلى أن العلاقة بين البخور وبيننا هي في واقع الأمر أقرب بكثير مما نعتقد، موضحاً أن: «آلاف السنين من ثقافة البخور ترافقنا في صمت، ومتأصلة في جيناتنا بعمق، سواء أدركنا ذلك أم لا.البخور ليس دخاناً عطراً فحسب، بل حضارة كاملة تفوح في أرجاء التاريخ الإنساني، لتجسد سيرة الصينيين القدماء، وترسم ملامح عصورهم، وتصور مشاهد مفعمة بالحيوية لحياة الأثرياء، وتطلعات الفقراء وخيالات المثقفين والشعراء، لم يخل السرد الثقافي والحضاري للصين على مر عصورها من الحضور الطاغي للبخور، حيث لم يكن مجرد وسيلة للترويح عن النفس، أو الاستمتاع بالعطر، بل كان أيضاً دلالة بارزة على الطبقة الاجتماعية، ومعلماً محدداً للطبقة الحاكمة وطبقة الأثرياء، كما كان رفيقاً ملازماً للكتاب والشعراء والمثقفين.

هذا الكتاب هو الأول من نوعه الذي يتناول بشيء من التفصيل، كل ما يتعلق بثقافة البخور في واحدة من أقدم حضارات العالم القديم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ce38dnn

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"