أسباب عدم انهيار الاقتصاد الروسي (2-2)

22:39 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*

إلى جانب العوامل المحلية لنجاح روسيا في تخطي العقوبات الغربية، والتي ذكرناها في المقالة الأولى، فقد لعبت العوامل الخارجية دوراً حاسماً أيضاً في هذا التمكين. فقد كشفت المواجهة بين روسيا والغرب عن حدوث تغيرات طالت التموضعات الاقتصادية للعديد من بلدان العالم وأقاليمه، بصورة لم تكن محل قياس من قبل، ومنها ما اتضح من تراجع مفعول سلاح العقوبات الذي يحوزه الغرب. فقد سمح تمتع روسيا بعلاقات جيدة مع العديد من بلدان العالم، بالخروج من العقوبات الاقتصادية الغربية بأقل الأضرار. وساعد على ذلك امتلاك روسيا وتصديرها لسلع لا يحوزها سوى عدد قليل جداً من دول العالم، بما في ذلك موارد الطاقة، ما ضمن لها إيرادات بالعملات الأجنبية اللازمة لشراء التقنيات والسلع التي لا يتم إنتاجها محلياً. في هذا المجال لعبت الصين دوراً محورياً في ملء الفراغ وتعويض أسواق روسيا المفقودة في أوروبا، تصديراً واستيراداً، إذ تحولت لوجهة تصدير للغاز الروسي بديلة لحصة أوروبا من الغاز الروسي الطبيعي المسال، وكذلك الأمر بالنسبة للنفط الذي اشتركت الهند في تعويض حصته الأوروبية المفقودة. بل إن شركات صينية مثل مجموعة «جوفو» المتخصصة في تجارة الغاز الطبيعي المسال، وشركة «سينوبك»، اشترتا الغاز الطبيعي الروسي المسال وأعادتا بيعه إلى متزودين أوروبيين بهوامش ربحية فائقة يصل بعضها إلى مئة مليون دولار. هذا ينطبق أيضاً على النفط الروسي، الذي استفادت بعض الدول مثل الهند ودول أخرى من شرائه وإعادة بيعه للمستوردين الأوروبيين.

أيضاً، لعبت الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الحكومة الروسية، دوراً مهماً في صد هجمة العقوبات الغربية على الغاز والنفط الروسيين وحماية سعر صرف الروبل من الانهيار. فقد قررت روسيا في مارس 2022، الطلب من الدول «غير الصديقة» دفع ثمن الوقود بالروبل عن طريق فتح حسابات في بنك غازبروم وتسديد المدفوعات باليورو أو الدولار لتحويلها إلى الروبل. بعد ذلك امتنعت روسيا عن بيع نفطها للدول التي تلتزم بسقف 60 دولاراً لبرميل النفط الروسي. فضلاً عن حزمة التشريعات التي صدرت لدعم الاستثمار التقني والصناعات الإحلالية.

في ديسمبر 2023، أطلقت صحيفة بوليتيكو الإلكترونية الأمريكية لقب «مدمرة هذا العام» على رئيسة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، لدورها، كما قالت، في تهميش العقوبات الغربية غير المسبوقة ضد القطاع المالي الروسي.

بعض الفضل في دعم الاقتصاد حالياً يُنسب إلى صناعة الدفاع بسبب الحرب في أوكرانيا، ما يعني أنه سيتعين على الحكومة الروسية وضع خطة سريعة للانتقال إلى اقتصاد السلم، حيث لن تكون هناك طلبات شراء دفاعية بعد توقف المعارك. الاقتصاد الحربي الجزئي تسبب أيضاً في مشكلة نقص العمالة التي زادت بعد التعبئة. حيث توجه العديد من الرجال في سن العمل، إلى الجبهة. فكان أن تسبب نقص العمالة في إجبار المنشآت على رفع الرواتب، ما أدى إلى ارتفاع الإنفاق وارتفاع التضخم.

في شهر آب/أغسطس 2023، نشر بن أريس رئيس ومالك bne IntelliNews، بحثاً تحليلياً بعنوان «روسيا تتفوق على ألمانيا لتصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي على أساس معادل القوة الشرائية». هذا المؤشر القياسي، أكثر دقة من مؤشر إجمالي الناتج المحلي الاسمي، لأنه يزيل الفروقات في مستوى الأسعار ويسمح بإجراء مقارنة أفضل، وخاصة في مستويات المعيشة، بين البلدان. على هذا الأساس، تكون روسيا قد تجاوزت ألمانيا للتو لتصبح خامس أغنى اقتصاد في العالم والأكبر في أوروبا، بقيمة 5.3 تريليون دولار. فبموجب هذا التقييم (معادل القوة الشرائية للاقتصاد)، فإن معادل القوة الشرائية للروبل الواحد مقابل الدولار الواحد، يعطي أفضلية للروبل في الشراء أكثر بكثير مما يمكن أن يشتريه دولار واحد في الولايات المتحدة.

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4m6m5nkf

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"