لبنان وذكرى الحرب الأهلية

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

49 عاماً، بين 13 إبريل/ نيسان 1975 و13 إبريل/ نيسان عام 2024، ولبنان لا يزال يعيش هواجس ومخاوف الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً، ولم يأخذ اللبنانيون العِبر من أهوالها ومآسيها المدمرة، وما نجم عنها من ضرب لأسس التعايش والوحدة الوطنية، وإسقاط لبنان في مهاوي الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأخطرها إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وسقوط الهوية الوطنية الجامعة على حساب صعود الهويات الثانوية المرتبطة بالطوائف والمذاهب، أو بالجماعات والأحزاب السياسية ذات الجذور الطائفية التي تتغذى على الصراعات والأزمات.

شهدنا خلال الأيام القليلة الماضية جرّاء الأجواء المشحونة بالتحريض الطائفي على خلفية التطورات الإقليمية المرتبطة بالحرب الإسرائيلية على غزة، والمواقف الداخلية المتعارضة تجاهها، حالة من الخوف المتجدد على السلم الأهلي الهش، وهو خوف مشروع لأنه يعيد اللبنانيين إلى تلك الأيام حالكة السواد التي أتت على الأخضر واليابس، وأخرجت لبنان من دوره الحضاري المشرقي الإسلامي المسيحي، وقوضت مكانته كمركز مالي وحضاري وثقافي وسياحي واستشفائي، كما أدت إلى تعرضه لغزو إسرائيلي طاول عاصمته بيروت.

وإذا كان «اتفاق الطائف» عام 1989، وضع حداً للحرب الأهلية من خلال «وثيقة الوفاق الوطني» التي تحولت إلى دستور، إلا أن معظم مضمون الوثيقة ظل بلا تنفيذ خصوصاً ما يتعلق بالنصوص المتعلقة بإلغاء الطائفية السياسية، أو بالانتخابات خارج القيد الطائفي، وعلى أساس النسبية، أو استحداث مجلس شيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية. كل هذه البنود التي أصبحت جزءاً من الدستور لم يتم تنفيذها، وظلت حبراً على ورق، لأن أرباب الطوائف والزعامات السياسية التقليدية والأحزاب الطائفية لا ترى مصلحة لها في تطبيقها لأنها تضع حداً لدورها وتحوّلها إلى قوى هامشية، لذلك هي تعمل دوماً على الشحن الطائفي كلما حانت فرصة لتأبيد وجودها ودورها.

هي «المحاصصة الطائفية» التي تشكل لب كل الأزمات التي يعاني منها لبنان، والتي يتقاسم مغانمها أصحاب الطوائف الذين يعيشون على بقائها، والتي تشكل في الوقت نفسه عامل تفجير كلما اختلفوا على المغانم والحصص.

لم يعد بمقدور لبنان واللبنانيين تحمل المزيد من الحروب والأزمات، فقد ناله الكثير من الأذى على مر السنوات الماضية، وبات يعيش وسط أزمات متوالية ومتنقلة، ولا بدّ له من الخروج من حالة الخوف والقلق على المصير المجهول.

وللوصول إلى هذا الهدف يحتاج اللبنانيون إلى الأخذ بعبر ودروس الحرب الأهلية، والقيام ب«ثورة على الذات» تخلصهم من القوى الطائفية المتحكمة بمصيرهم، والتمسك بدولة المواطنة التي يشارك فيها كل اللبنانيين من دون استثناء، والالتزام بالحقوق والواجبات والقانون من دون تمييز، وأن يكون الولاء للوطن وحده من دون غيره..

إن دولة المواطن هي التي تصنع الولاء الوطني وتصهر اللبنانيين في بوتقة الوحدة الوطنية، وبذلك تسقط كل المشاريع التقسيمية والعنصرية التي تطل من حين إلى آخر، كما تختفي كل الأصوات الطائفية والمذهبية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/xweahkpc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"