مقابر غزة الجماعية

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

لن تمضي جرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة من دون تبعات. وفي ظل استمرار المعارك والغارات والتعتيم على ما يجري، لن يكتشف العالم حجم الكارثة الإنسانية والأخلاقية والتاريخية. وما تم اكتشافه من مقابر جماعية تضم مئات الجثث في مجمعي ناصر والشفاء الطبيّين في القطاع، مجرد بداية لما سيظهر من حقائق صادمة، في انتظار نهاية مؤلمة جداً تدق ساعتها مع الوقف التام للقتال.

مشاهد انتشال جثث الضحايا الذين أعدموا في ظروف مريبة، ودفنوا في ساحتَي أكبر مجمعين طبيين في قطاع غزة، ربما كانت أبشع من عمليات القتل نفسها. ولم تكن مفاجأة لأحد، فما أقدم عليه الجيش الإسرائيلي في المنطقتين من اقتحام وحشي، وتدمير متعمد واستهداف مباشر للمرضى والطواقم الطبية والنازحين ممن لجأوا إلى هناك، يحتمل وقوع مثل هذه الجرائم وأكثر، بالنظر إلى شهادات من نجوا من تلك المذابح المروّعة، ورووا قصصاً عن خطف عشوائي، وتنكيل غير مسبوق، وقتل بأبشع الأساليب لمدنيين. وحتى الآن لم تتحرك محكمة الجنايات الدولية، ولن تتحرك أبداً في ظل الانحياز الأمريكي والغربي، الذي ما زال يزعم أن إسرائيل تخوض «حربا مشروعة»، بينما كانت هذه المحكمة تستنفر كل محققيها ولا تهدأ، إذا توصلت بشبهة في أي شخص، من خارج المنظومة الغربية، قد يكون ارتكب قتلاً غير مشروع لا يضاهي واحداً في المئة مما ارتكبه جيش الاحتلال الإسرائيلي في يوم واحد من الأيام المئتين في حربه على غزة.

بعد التقارير الواردة من مجمّعَي ناصر والشفاء، طالب مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإجراء تحقيق دولي في «المقابر الجماعية»، معترفاً بأن الواقع في المجمّعين، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، «مرعب»، وأن هناك مناخاً «يسوده الإفلات من العقاب»، بسبب الحماية المطلقة التي تحظى بها إسرائيل، وجنرالاتها، من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ضد أي ملاحقة حقيقية، أو ضغط فعلي لإنهاء هذه الحرب، بينما تبدو الأمم المتحدة، بكل هياكلها ووكالاتها، مغلوبة على أمرها، ولم تعد تجيد غير إصدار البيانات والتحذيرات والاستغاثات.

وفي أكثر من مناسبة كان أمينها العام، أنطونيو غوتيريش، صادقاً مع نفسه وصريحاً مع المجتمع الدولي عندما اتهم إسرائيل مباشرة بالمسؤولية عن كل ما يجري من إبادة جماعية، فكان جزاؤه أن وقع ضحية الانتقادات والاتهامات ب«معاداة السامية»، تلك الأسطوانة المشروخة التي لم تعد تجدي في ضوء ما كشفته الحرب على غزة، من انتهاكات وجرائم، لا يستطيع السكوت حيالها حتى الأبكم، ولكن من لا ضمير له يتغاضى عنها، ويعتبرها من «الخسائر الهامشية» كأي حرب.

بعد 200 يوم، مازال الوضع كأنه في اليوم الأول، فالقصف العنيف على أشدّه، براً وبحراً وجواً، على غزة، وفي كل ساعة يسقط ضحايا ومصابون، ويخرج نازحون، وتنكشف مقابر جماعية. ولا تريد إسرائيل أن توقف هذه الحرب لأنها تخشى نهاية هذه المعركة وتداعياتها، وما سيكتشفه العالم من تجاوزات، وجرائم، وما لحق بجيشها من انكسارات ستجعل صورته مهشمة، وتدفع إلى إعادة كتابة حضوره في التاريخ، ماضياً ومستقبلاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2a3f36ry

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"