غضب الجامعات الغربية

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين
2

يتجه غضب الجامعات الأمريكية والغربية دعماً للشعب الفلسطيني، وتنديداً بالإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل في قطاع عزة، لتشكل تطوراً مثيراً ومنعطفاً حاسماً في مسار التطورات والمواقف حيال هذه الحرب وما خلّفته من مأساة إنسانية ناطقة بكل ما يثير النقمة والغضب.

حشرت هذه الاحتجاجات القرار الأمريكي الداعم لإسرائيل في زاوية وبدأت في إرباكه، كما امتدت إلى الجامعات الأوروبية وأستراليا، راسمةً صورة غير مألوفة منذ عشرات السنين.

الجامعات تجمع صفوة الأمم من الطلاب والباحثين والأكاديميين، وهذه الفئات الحية هي المعبّرة عن ضمائر المجتمعات وصنّاع مستقبلها، ومهما بلغت درجة القمع من القوة، فلا يمكن إخضاعها قسراً، أو تجاهل مطالبها قهراً، فما من حركة طلابية نهضت، إلا وكانت مثالاً في السلمية والتحضر؛ لأنها تجمع جيلاً كاملاً من مختلف التيارات على مبدأ سامٍ وهدف نبيل.

وفي الحالة المتنامية في الجامعات الغربية، فقد كان الهدف نصرة الشعب الفلسطيني في وجه آلة البطش والطغيان الإسرائيلية، التي تمادت في القتل والتدمير وارتكاب الجرائم والانتهاكات، مدعومة بتواطؤ أمريكي وأوروبي مفضوح. ولم يجد المسؤولون في واشنطن وتل أبيب، غير شماعة «معاداة السامية» ليعلقوا عليها الحرج الكبير أمام هذه الاحتجاجات، في محاولة لوأدها قبل أن تحدث انفصاماً حاداً في مؤسسات الدولة الأمريكية وشرخاً لا يمكن إصلاحه.

الاحتجاجات التي انطلقت شرارتها من جامعة كولومبيا في نيويورك، وامتدت إلى العديد من المؤسسات المرموقة مثل هارفارد ويال وبرينستون، ها هي تضرب في السوربون، أعرق الجامعات الفرنسية، ومعهد باريس للدراسات السياسية، وفي ألمانيا وأستراليا، رغم محاولات السلطات مواجهة هذه الحركات وتشويهها بذرائع التحريض على الكراهية ورفع الشعارات المحظورة أو «إتلاف العشب»، وهي تهمة وجهتها السلطات الألمانية لمنظمي مخيم احتجاج مؤيد للفلسطينيين خارج مبنى المستشارية ببرلين.

العدوان الإسرائيلي على غزة والإنكار الغربي المستمر لحقوق الشعب الفلسطيني، وازدواجية المعايير المتبعة تجاه قضيته لم تعد قادرة على مقاومة هذا الوعي الصارخ في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية الغربية.

وبعد أشهر طويلة من النفاق السياسي والتلاعب بالرأي العام، يولد جيل جديد لا يتأثر بالدعايات الوقائع المزيفة، فهذه الصحوة إنسانية صرفة، ولا علاقة لها بالكراهية والتحريض كما يزعم الزاعمون، وإنما كانت صرخة مدوّية من أعماق الذات الإنسانية رفضاً لأي تبرير لحرب إبادة غزة، ومنعاً لمنح إسرائيل فرصة للإفلات من المحاسبة والعقاب.

منذ بداية الحرب العدوانية، والمواقف الغربية، بقيادة واشنطن، تدعم إسرائيل بالمال والسلاح والإسناد اللوجستي، فقد تم شلّ مجلس الأمن بالفيتو الأمريكي خمس مرات، رفضاً لوقف الحرب، وتمت عرقلة تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية، ومنع تدفق المساعدات الإنسانية إلى النازحين.

وفي ضوء كل هذا، ليس غريباً أن تثور الجامعات وتتصدى النخبة لوقف هذا التدهور الأخلاقي غير المسبوق.

احتجاجات الجامعات الغربية مستمرة، وربما تنجح في إنهاء العدوان على غزة، كما نجحت قبل أكثر من نصف قرن في وقف التورط الأمريكي في فيتنام. وها هو الغرب يواجه ذاته مرة أخرى من أجل المبادئ التي يتعلمها الطلاب في مقاعد الجامعات، ويريدون ممارستها فعلاً وقولاً، وهذه المرة من أجل الشعب الفلسطيني الذي يستحق كل هذا وأكثر، وهو أحد أسمى معاني النصر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3xy39jfb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"