هدنة ممكنة في غزة

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين
2

تشهد الجهود السياسية للتوصل إلى هدنة جديدة في غزة انتعاشة واعدة بعد نحو ثلاثة أسابيع من فشل جولة مفاوضات أواخر شهر رمضان. وبعد فترة من اليأس والإحباط والمخاوف بدأ الحديث يدور عن «فرصة أخيرة»، ليس لإرساء وقف مؤقت لإطلاق النار وفق صفقة يتم بمقتضاها الإفراج عن رهائن إسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية، وإنما عن إنهاء تام للحرب بناء على خطة سياسية تحاول الاتصالات والاجتماعات المكثفة بلورة شروطها في أقرب وقت.

خلال هذه الساعات تتجه الأنظار إلى القاهرة، حيث تجري مفاوضات متعددة المستويات تسعى إلى تذليل العقبات الكبيرة التي تواجه إبرام صفقة الهدنة والرهائن. وفي انتظار التعرف إلى فحوى رد حركة «حماس» على مقترح الهدنة الجديد، لا تمانع إسرائيل في تقديم تنازلات ولا تستبعد تعليق الهجوم على رفح، وهو ما أكدته أوساط أمريكية تعمل على الحد من التصعيد، وتبدي تفاؤلاً نسبياً بإحداث اختراق سياسي.

ورغم أن الأخبار المسربة لا تفصح عن الكثير، فإن بعضها يشير إلى رغبة جميع الأطراف في الخروج من هذا المأزق والتوافق على «هدوء دائم»، بعدما أصبحت الكارثة الإنسانية، التي سببتها الحرب الإسرائيلية، فوق الاحتمال وتثير في كل يوم ردود فعل، وبعضها يشير إلى أن محكمة الجنايات الدولية ربما تتحرك في القريب العاجل لملاحقة قادة إسرائيل، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير جيشه ورئيس أركانه.

وتزامنت هذه المؤشرات مع تشدد النبرة الدولية في رفض استمرار الحرب والتهديد الإسرائيلي باجتياح رفح. ومثل هذه التحذير كان واضحاً في الاجتماع الوزاري للمجموعة العربية السداسية الذي عقد في الرياض مساء السبت بمشاركة الإمارات، وأكد ضرورة إنهاء الحرب والتوصل إلى وقف فوري وتام لإطلاق النار، وضمان حماية المدنيين وفقاً للقانون الإنساني الدولي، ورفع جميع القيود التي تعرقل دخول المساعدات الإنسانية، واتخاذ خطوات لا رجعة فيها لتنفيذ حل الدولتين.

وجاء هذا الاجتماع ضمن سلسلة من المشاورات على هامش منتدى الاقتصاد العالمي المنعقد في الرياض، وكلها تؤكد ضررة وقف هذه الكارثة، وسط مطالبات لمجلس الأمن الدولي، وللولايات المتحدة حصراً، بالتحرك الإيجابي والتفاعل مع كل المبادرات الرامية لإبرام الهدنة، وإجبار إسرائيل على إيقاف التهديد باجتياح رفح وتعميق المأساة الإنسانية بحصيلة إضافية من الضحايا والمنكوبين والنازحين.

ما خلفته 205 أيام من الحرب والتدمير في غزة لا تستوعبه المشاعر، ولا حتى الخيال، فهناك 33 ألف قتيل فلسطيني، ثلثاهم نساء وأطفال، وأكثر من 10 آلاف مفقود، أما الدمار الهائل فيحتاج إلى 14 عاماً لرفعه. ومع ذلك لم تحقق إسرائيل أياً من أهدافها المعلنة، ولم تستطع استعادة رهائنها كما تعهدت. وتلويحها بالاستمرار في الحرب هو نوع من الهروب إلى الأمام الذي سيؤدي إلى ارتكاب مزيد من الأخطاء الفادحة، بما يهدد الاستقرار الإقليمي، ويدفع إلى توسع الصراع إلى جبهات أخرى.

الهدنة الممكنة في غزة ستكون طوق النجاة لأكثر من طرف، وتحقيقها بات ضرورة إقليمية وعالمية، فهذه الحرب كانت درساً قاسياً، سيتعلم منه الجميع العبر، وستتأسس عليه أصلح الخيارات للمرحلة المقبلة من تاريخ المنطقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc3dj3nf

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"