أوكرانيا والتسوية الحتمية

00:41 صباحا
قراءة دقيقتين
2

منذ فشل الهجوم الأوكراني المضاد، في الصيف الماضي، انتقلت القوات الأوكرانية إلى الدفاع، بينما بدأت الظروف الميدانية على طول خط الجبهة تتغير لصالح القوات الروسية، التي استعادت زمام المبادرة، وبات الرهان على هزيمة روسيا أمراً بعيد المنال، إن لم يكن مستحيلاً، ما يعني أن الخيار المنطقي لحل الأزمة يفرض العودة إلى البحث عن تسوية سياسية تحفظ مصالح جميع الأطراف.

ما نراه اليوم أن الدعم الغربي الهائل للقوات الأوكرانية، سراً وعلناً، وعلى كل المستويات، الأمنية والعسكرية واللوجستية، بالتزامن مع عقوبات اقتصادية ومالية ومصادرة للأصول الروسية في الغرب، لم يؤد إلى إضعاف روسيا أو يفت في عضد اقتصادها، أو يثمر تفوقاً ميدانياً يدفع موسكو إلى التراجع عن عمليتها العسكرية، حسب وصفها، بل على العكس، فإن ما يحدث هو تراجع ميداني كبير للقوات الأوكرانية في مختلف جبهات القتال.

وليس أدل على ذلك من اعتراف رئيس الأركان الأوكراني ألكسندر سيرسكي في الساعات الماضية بإشارته إلى أن «الوضع يتدهور على الجبهة»، وأن القوات الروسية تحقق «نجاحات تكتيكية» في مناطق عدة، وهو اعتراف جاء بعد أيام قليلة من توقّع رئيس الاستخبارات العسكرية، كيريلو بودانوف، بأن الوضع سيتفاقم بين منتصف مايو، ومطلع يونيو المقبلين.

الحقيقة الواضحة منذ البداية هي أن روسيا، الدولة العظمى والنووية، لم تكن لتسمح بهزيمة قواتها في أوكرانيا تحت كل الظروف، رغم رهان الغرب على استنزافها ومحاولات إضعافها، فيما تحولت الحرب إلى استنزاف للولايات المتحدة وأوروبا نفسهما، اللتين باتتا تعانيان نقصاً في إنتاج الأسلحة والذخائر، وليس أدل على ذلك من إقرار واشنطن مؤخراً بأنه ليست لديها إمكانية لتزويد كييف بمنظومات باتريوت إضافية للدفاع الجوي.

لذلك بدأ الغرب يتحدث بلسان حلف الناتو عن نشر أسلحة نووية في بولندا المجاورة لروسيا وفي بعض أنحاء أوروبا، بالتزامن مع دعوة ماكرون لأن تكون الأسلحة النووية الفرنسية جزءاً من النقاش الدفاعي الأوروبي، لتجاوز آليات الحماية التي يوفرها الحلف، والهدف من ذلك لا يكمن فقط في تبني آليات دفاعية أقوى لإظهار موقف أوروبي قوي في الساحة العالمية، وإنما في منع هزيمة أوكرانيا التي تعتبر هزيمة للغرب كله. لكن ذلك كله لم يكن ليحدث أو يصل إلى هذا الحد لو تم منذ البداية أخذ المصالح الأمنية الروسية في الاعتبار، وإعادة رسم خرائط الأمن الأوروبي على أسس أكثر واقعية وعدلاً وشمولية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

الحقيقة الصارخة التي لا يريد الغرب أن يعترف بها، هي أنه لم يعد هناك طريق للخروج من الأزمة سوى التفاوض والبحث عن تسوية سياسية تحفظ ماء الوجه للجميع، بعد أن تم قطع المفاوضات الروسية الأوكرانية مع بداية الحرب عام 2022، بناء على رهانات أثبتت عدم جدواها، والأهم هو أنه لا بد من الاعتراف بأن العالم يتغير، ولم يعد يحتمل المزيد من الحروب، وأن النظام الدولي القائم لم يعد صالحاً للإدارة الدولية مع بقاء قطب أو طرف واحد على رأس هذه الإدارة، ما يعني إفساح المجال أمام تسويات بات العالم يراها حتمية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3rwxjdhs

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"