عادي
لا يقل عن جودة الأفلام الأجنبية

«السرب».. توثيق سينمائي لحدث هز العالم

22:21 مساء
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم

عشاق السينما يدركون جيداً الفرق بين مشاهدة فيلم في الصالة ومشاهدته في المنزل على شاشة التلفزيون، فالأفلام ذات الجودة العالية في الصورة والصوت والمؤثرات وإتقان ورؤية مميزة في الإخراج.. تفقد جزءاً مهماً من جمالها وقوة تأثيرها وجذبها للجمهور الذي يشعر بأن كل تفصيلة وكل كلمة ولقطة وصوت وموسيقى ومشهد يتسلل إلى قلبه ويداعب مشاعره ويرتعش له بدنه وتهتز القاعة ومقاعدها فيبكي ويتحمس ويتألم وكبار النجوم ترقب وربما يصفّق وينتصر مع أبطال العمل، كما يحصل للجمهور الذي يقصد الصالات لمشاهدة فيلم «السرب»، والذي يمكن اعتباره من أعلى الأفلام العربية إخراجاً وتصويراً خصوصاً للمشاهد العسكرية والعمليات القتالية والتصوير من الجو، فيلم لا يقل بأي شكل من الأشكال عن جودة الأفلام الأمريكية والأجنبية عموماً، بل تشعر بكل فخر أنك تشاهد عملاً أجمل وأقوى من فيلم «توب غان» بجزأيه للنجم توم كروز.

الاستعداد للعملية الجوية

ارتقت السينما المصرية بصناعة الأفلام والمسلسلات العسكرية أو التي نطلق عليها «حربية» ولم تعد «المفرقعات» فيها تشبه أفلام الكاوبوي الأمريكية القديمة، بل التصقت أكثر فأكثر بالواقعية وبتنا نشعر أن المعارك حقيقية والأصوات تهزنا وكأننا نقف مع فريق العمل في قلب المعركة، وبات الإنتاج أكثر سخاء على الأعمال وإن كانت تحت إشراف أو مدعومة من جهات رسمية أو بالأحرى الدولة، ما ينعكس على شكل الأعمال ومضمونها وجودة صنعتها، وذلك التمويل لا يكفي ولا يمكن أن يرتقي بمستوى ما نراه على الشاشة إن لم يقترن برؤية فنية وإبداع في الإخراج، وقد أصبح لدينا سواء في الدراما أو السينما العربية مخرجون مبدعون يأخذون أعمالنا إلى مستوى المنافسة العالمية، كما تنشط حركة التأليف ويتنافس فيها المخضرمون والشباب الجدد في هذا المجال، فينتشي الجمهور ويحقق الفن قفزة مهمة.

توثيق ودراما وحرب

فيلم «السرب» من نوعية الأعمال التي تجمع بين التوثيق والدراما والحرب، وأول ما يميزه أنه يستند إلى قصة تؤرخ لحدث هزّ العالم في فبراير عام 2015، والحدث تبعه حدث آخر لم يقل عنه شأناً ويُعتبر من أهم عمليات «الثأر» والرد على عملية إجرامية شنيعة بعملية عسكرية مشرّفة أبهرت العالم. هي جريمة ذبح 21 مصرياً في ليبيا عام 2015 على يد تنظيم داعش الإرهابي، والتي صورها الإرهابيون بأبشع تفاصيلها ونشروا الفيديو عبر مختلف الوسائل ومواقع التواصل الاجتماعي موجهين رسالة إلى العالم كله، وقتها استهدفوا العمال المسيحيين من المصريين الذين كانوا يسافرون إلى ليبيا من أجل كسب لقمة العيش، وفي خلال ساعات جاء الرد من الدولة المصرية التي حركت أسطولها من أجل أبنائها، والرد جاء قوياً وصادماً لداعش ولكل الإرهابيين، من خلال عملية «السرب».

مشهد من الفيلم

ليس جديداً على السينما العربية تقديم عمليات عسكرية وأفلام عن قصص مأخوذة من ملفات المخابرات والأجهزة الأمنية وبطولات حقيقية، إنما الجديد والمهم أن السينما واكبت تطور العصر فأصبحت تقدم هذه الأعمال بتقنيات مناسبة تخدم الفكرة والهدف من العمل وتجذب الجمهور وتُقنعه، خصوصاً أننا في زمن ارتفعت فيه قدرات الخيال العلمي والذكاء الاصطناعي والمونتاج.. والنجاح الذي حققته أعمال من هذا النوع في التلفزيون مثل: «الاختيار» وفي السينما مثل: «الممر» و«كيرا والجن»، يضاف إليها اليوم نجاح «السرب» الذي يعتبر علامة فارقة في مسيرة المخرج أحمد نادر جلال، وانطلاقة سينمائية مبشرة للكاتب (والممثل) عمر عبد الحليم الذي تحدث عن المراحل التي مر بها أثناء كتابته فيلم «السرب»، وحرصه على مشاهدة فيديو ذبح ال21 مصرياً على يد تنظيم داعش الإرهابي، وشدة تأثره بتفاصيل كثيرة في هذا الشريط أثرت في وجدانه ولن يستطيع نسيانها طوال حياته، وقد انعكس هذا التأثر بوضوح على إتقانه في كتابة القصة بتفاصيل دقيقة ومهمة وبمشاعر إنسانية استطاعت أن تنتقل بشكل تلقائي إلى الجمهور طوال مشاهدته لنحو ساعتين.

أحداث تمهيدية

انطلق المؤلف من أحداث تعتبر تمهيدية تستعرض ما كان يحدث على الحدود بين مصر وليبيا والعمليات التي قامت بها القوات الحربية المصرية ضد مجموعات من الإرهابيين الذين كانوا يخرجون مثل الجرذان من أنفاق تحت الأرض ويقومون بعمليات إرهابية وينقلون السلاح.. أبطال تلك العمليات الطيارون: عمارة وأبو العطا وممدوح قد جسدهم أحمد صلاح حسني وأحمد فهمي ومحمد فراج.. تحية تقدير لمن رحل من الشهداء في العمليات العسكرية التي تمت في مواجهة الإرهابيين، ثم ننتقل إلى مشهد باخرة ضخمة وسط البحر يجلس فيها باسترخاء علي المصري (أحمد السقا) الذي يقيم في ليبيا ويقوم بتهريب أشخاص عبر المياه الإقليمية، فينقل أبو مختار (محمود حافظ) ومجموعة من النسوة إلى إيطاليا، ويرافقه سالم (إسلام جمال) الذي يبلغ أحدهم في بنغازي عن عمليات التهريب التي يقوم بها السيد علي المصري.

الفيلم استخدم الصورة والصوت والمؤثرات بإتقان

ينجح الكاتب في تمويه شخصية علي، تاجر متلوّن، شديد الذكاء، يتعامل مع كل الفئات ويبدو أنه يعرف الكثير عما يحصل في ليبيا ولا يُظهر ما يخفيه خلف اتساع دائرة علاقاته وشخصيته المحبوبة والمنفتحة على كل الجهات والأشخاص، دور يؤديه باقتدار أحمد السقا فيعيده من جديد إلى السينما نجماً خصوصاً أنه البطل الرئيسي والأول في هذا الفيلم وسط مجموعة ضخمة من الشخصيات الرئيسية والنجوم، محمد ممدوح بارع جداً في أداء دور أمير المجاهدين المؤمنين أبو أسعد، ومساعده قائد الجناح العسكري لجماعة داعش الإرهابية في مدينة درنة الليبية العقرب ويؤديه دياب، وزوجة الأمير هند (نيللي كريم) والتي تتولى مسؤولية إعداد الفتيات المخطوفات ليكن سبايا مهمتهن إمتاع المجاهدين كي يتمكنوا من تأدية مهامهم العسكرية على أكمل وجه، في المقابل تلعب صبا مبارك دور الصحفية الليبية خديجة عبيد وأدتها أيضاً بإتقان، وخديجة كانت حبيبة أبو أسعد قبل 25 عاماً، يوم كان شاباً بريئاً طيباً اسمه سعيد، ويعتبر مشهد مواجهتهما في مقر أبو أسعد حين أمر بإحضارها بعد ما نشرته من معلومات عن الأوكار وما يخفيه التنظيم من أسلحة، مشهد يبرر فيه «الأمير» تبدل أحواله بسبب ما حصل له في العراق على أيدي الأمريكيين، قائلاً: «أنا الآن خليفة المسلمين الآمر الناهي، أنا من يحيي ويميت..» وهو ما يكشف نمط تفكير وغرور الإرهابيين..

ينتقل المخرج بين المشاهد العسكرية والعمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم داعش في ليبيا، وبين حياة الخوف والقلق التي كان يعيش فيها العمال المصريون وخصوصاً من أبناء الطائفة المسيحية والذين كانوا يعيشون في مكان واحد مع المسؤول عنهم عم محمد «عمرو عبد الجليل» رئيس العمال الرجل الطيب الذي أتى بهم من مصر قبل أن يختطفهم الدواعش بأمر من أبو أسعد..

وفي الوقت نفسه نرى غرفة عمليات القوات المسلحة وقصر الاتحادية ومقر جهاز المخابرات وما يحصل من تبادل للمعلومات في مصر، حيث كانت عمليات مراقبة تحركات الإرهابيين من داخل ليبيا وعبر الحدود، شارك فيها طبعاً عملاء تابعين للمخابرات المصرية، لنكتشف لاحقاً حقيقة هوية بعض الشخصيات، وما أن تأتي عملية ذبح العمال المصريين حتى تنطلق خلال ساعات عملية الثأر «السرب» والتي باغتت الإرهابي «أمير المؤمنين» ومساعديه وكتبت سطراً جديداً من سطور البطولات التي تحققها القوات المصرية.

وجوه جديدة

مشاهد انطلاق الطائرات العسكرية وتصويرها من الجو تزيد من حماس الجمهور وتفاعله مع الأحداث، علماً أن سلاح الطيران المصري الحقيقي شارك في هذا الفيلم، ومع كل مرحلة يدخلها العمل تظهر وجوه جديدة لنجوم لا شك أنهم يفخرون بمشاركتهم في عمل بهذه القيمة ولو بمشهد صغير، ومن هؤلاء، شريف منير، آسر ياسين، كريم فهمي، محمود عبد المغني، أحمد حاتم، أحمد فهمي، مصطفى فهمي، وغيرهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdh2ffsa

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"