عادي

سليم الحق.. الإمارات تكرّم أحد أهم رواد العمل المناخي العالمي

22:19 مساء
قراءة 4 دقائق
ثثث
منح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، «حفظه الله»، عدداً من المسؤولين الدوليين «وسام زايد الثاني» من الطبقة الأولى تقديراً لمساهماتهم في العمل المناخي العالمي، وجهودهم لتعزيز التوافق الدولي وإقرار «اتفاق الإمارات» التاريخي وتنفيذ خطة عمل رئاسة مؤتمر الأطراف «كوب 28»، ولكن غاب عن المراسم أحد أبرز المكرَّمين، وهو البروفيسور الراحل سليم الحق، الذي كانت أسرته حاضرة لتلقي وسامه.
كان الدكتور سليم الحق رمزاً عالمياً للعمل المناخي، حيث بذل جهوداً استثنائية على مدار عقود لدعم الدول والمجتمعات محدودة الدخل الأكثر تضرراً من تداعيات تغير المناخ، وشارك في 27 مؤتمراً للأطراف، كما كان عضواً فعالاً في اللجنة الاستشارية لرئاسة «كوب 28» حتى وافته المنية عن 71 عاماً في 28 أكتوبر 2023، قبل انطلاق المؤتمر الذي استضافته الإمارات العام الماضي بنحو شهر. وكان لنبأ وفاة سليم الحق صدى عالمي من الحزن والمواساة، وأقر كثير من الشخصيات البارزة في مجال العمل المناخي بإنجازاته وبصمته المهمة على الساحة العالمية.
وأعرب الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة رئيس «كوب 28»، عن أسفه لفقدانه، وفي كلمته الافتتاحية أمام المؤتمر، التي تخللتها دقيقة صمت حداداً على وفاة البروفيسور الراحل، قال إن الراحل كرَّس مسيرته المهنية لإيجاد وسائل عملية لمعالجة تداعيات تغير المناخ في الدول والمجتمعات الأكثر تضرراً، مشيراً إلى استفادته شخصياً من استشاراته.
الدكتور سليم الحق كان عالماً بريطانياً من أصول بنغلادشية، وأستاذاً بالجامعة المستقلة في بنغلادش، واختير ضمن أهم 10 علماء في تصنيف مجلة «نيتشر» لعام 2022، كما حصل في العام نفسه على وسام الإمبراطورية البريطانية لعطائه في مجال مواجهة تغير المناخ.
أسس البروفيسور الراحل المركز الدولي لتغير المناخ والتنمية في بنغلادش عام 2019، ومن خلال منصبه كمدير مؤسس للمركز، أصبح صوتاً رائداً يمثل الدول النامية في مختلف الفعاليات والمناسبات والمفاوضات المناخية، وساهمت جهوده في توافق العالم بعد وفاته على تفعيل وبدء تمويل الصندوق العالمي المختص بالمناخ ومعالجة تداعياته في اليوم الأول لـ «كوب 28»، مما أثبت جدية دولة الإمارات في مواجهة هذا التحدي العالمي البارز، وكفاءة رئاسة المؤتمر.
كان سليم الحق من أكثر علماء المناخ احتراماً على المستوى العالمي، ونادى بمسؤولية الدول المتقدمة عن انبعاثات غازات الدفيئة الرئيسية، وأهمية قيامها بتوفير التمويل اللازم للشعوب الأكثر تعرضاً لتداعيات تغير المناخ في الجنوب العالمي.
وفي هذا الشأن قال الراحل: «يصل كل يوم أكثر من 2,000 نازح بسبب المناخ إلى دكا، سيراً على الأقدام وبالدراجات والقوارب والحافلات، ويختفون في أحياء المدينة، حيث لا يعتني أحد بهم، رغم أنهم أجبروا على النزوح بسبب تغير المناخ الناتج عن الممارسات البشرية».
كرسَّ سليم الحق حياته للدفاع عن حقوق المجتمعات الأكثر عرضة لتغير المناخ، ولاقى صعوبات بالغة، منها ضعف التمويل والوعي في الدول النامية، وبفضل جهوده استطاعت بنغلادش خفض عدد ضحايا الفيضانات من خلال نهج ساهم فيه المجتمع كله، وركّز على تحسين نظم الإنذار المبكر، وبناء الملاجئ، والتتبع والرصد باستخدام الأقمار الاصطناعية، لتصبح بنغلادش نموذجاً عالمياً في مواجهة تداعيات تغير المناخ.
نجح كذلك في وضع نهج سمّاه «التكيف التحويلي»، وتطبيقه بمدينة مونغلا في بنغلادش، التي تبنت توصيات المركز الدولي لتغير المناخ والتنمية، وأصبحت نموذجاً لإدارة الكوارث والتكيف والمرونة مع أزمة تغير المناخ.
كان سليم الحق يوصف بأنه صديق الصحفيين، إذ كان أول خبير يقصده الكُتّاب في مجال تغير المناخ للاستفادة من خبراته وسهولة التواصل معه، وفي حديث لبلومبرغ عقب وفاته، تقول راشيل كايت، مبعوثة الأمم المتحدة السابقة للمناخ، وعميدة مدرسة فليتشر في جامعة تافتس الأمريكية، إنه تميز بأسلوبه الرائع في تبسيط الحقائق العلمية وسردها بطريقة يفهمها الجميع، فيما يرى فرحان يامن، وهو محام وخبير قانوني في المجال المناخي، أنه أحد أهم رواد العمل المناخي المهتمين بخدمة البشر وتلبية احتياجاتهم.
وفي رسالة مفتوحة وجهها إلى رئيس «كوب 28»، قال سليم الحق إن له هدفاً واحداً، وهو إنشاء وتفعيل صندوق جديد مختص بالمناخ ومعالجة تداعياته خلال المؤتمر، ورغم رحيله قبل تحقق رؤيته، فإن جهوده ساعدت على تحقيق النتيجة الباهرة التي تم التوصل إليها في اليوم الأول من المؤتمر بتفعيل الصندوق وترتيبات تمويله الذي بلغ مبدئياً 792 مليون دولار من التعهدات الدولية، ضمنها 100 مليون دولار من دولة الإمارات.
ويشكِّل التقدم في موضوع «معالجة الخسائر والأضرار» ضرورة ملحة للعمل المناخي حتى في حال نجاح العالم في تحقيق أهداف التخفيف من الانبعاثات، وذلك بسبب المستوى الحالي للاحتباس الحراري الذي يؤدي لاستمرار معاناة المجتمعات المهددة بسبب التداعيات الشديدة لتغير المناخ.
وفي رسالته الأخيرة للدكتور سلطان الجابر، أعرب سليم الحق عن ثقته بأن «كوب 28» يدشن عهداً جديداً للعمل المناخي، بصفته أول مؤتمر للأطراف ينجح في معالجة موضوع «الخسائر والأضرار»، وبالفعل نجحت خطة رئاسة المؤتمر في تخليد جهود سليم الحق، لتمهِّد الطريق أمام تغيير إيجابي جذري في العمل المناخي يدوم أثره ومنافعه في حياة البشرية بأكملها.
(وام)
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/m4avmkkv

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"