الإنشاءات.. واضطراب سلاسل التوريد

22:04 مساء
قراءة 4 دقائق

ناتاليا باروسو *

مع اقتراب انتهاء النصف الأول من عام 2024، بدأت ملامح تأثير حالة عدم الاستقرار في البحر الأحمر على التجارة العالمية وسلاسل التوريد بالتكشف أمام المجتمع الدولي. ولا شك أن الهجمات على السفن التجارية في مضيق باب المندب أثرت في سلسلة كاملة من القطاعات، مثل النقل والطاقة والإنشاءات والتمويل، إلا أنها أيضاً غيرت تماماً، ولو بصورة مؤقتة، كيفية عمل سلاسل التوريد العالمية، وبالتالي تحديد الوقت الذي يمكن فيه للقطاعات استكمال مشروعاتها الحالية والتكاليف الإضافية التي تحتاج إلى إنفاقها.

وبدأت حالة عدم الاستقرار الحالية والمستمرة في نوفمبر 2023، أي منذ حوالي ستة أشهر، وتحولت إلى اضطراب دائم لسفن الشحن التجارية والنقل البحري في مضيق باب المندب، الذي يشكل ممراً حيوياً إلى قناة السويس عبر البحر الأحمر.

وأفاد فينسنت كليرك، الرئيس التنفيذي لشركة ميرسك، للحاضرين في القمة السنوية للمنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس خلال شهر يناير: «بالنسبة لنا، سيؤدي الوضع الحالي إلى إطالة أوقات النقل، وغالباً إلى حدوث بعض الانقطاعات في سلسلة التوريد لبضعة أشهر على الأقل. ونأمل أن يتحسن الوضع في وقت أسرع، إلا أنه من الممكن أيضاً أن يستمر لوقت أطول، نظراً لعدم إمكانية التنبؤ بكيفية تطور الأحداث القادمة».

وبناء عليه، يمكن اعتبار حالة الاضطراب في باب المندب تهديداً متوسط الأجل على الأقل وليس مجرد خلل لفترة قصيرة. كما أنه عطّلت الهجمات حركة التجارة العالمية، حيث تتجه شركات الشحن والنفط إلى تجنّب قناة السويس، ما سينعكس على تكاليف الشحن ويدفع السفن إلى الإبحار حول القارة الإفريقية بأكملها عوضاً عن ذلك.

إضافة إلى ذلك، عانى قطاع الإنشاءات أشد التداعيات الناجمة عن هذه الاضطرابات، ولفهم سبب معاناة القطاع، لابد أولاً من فهم الأهمية الاستراتيجية لمضيق باب المندب وقناة السويس، الممر المائي المهم والذي يربط بين البحر المتوسط والبحر الأحمر. ويسهم النقل عبر قناة السويس في تحقيق وفورات كبيرة في الوقت للسفن المسافرة بين آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية. إلا أن حالة عدم الاستقرار الحالية في المنطقة أجبرت سفن الشحن على اختيار طرق بحرية بديلة، ما أدى إلى زيادة التكاليف ووقت النقل، إضافة إلى التأثيرات المحتملة على البيئة.

وتسبب تحويل سفن الشحن من قناة السويس إلى طرق بديلة، مثل رأس الرجاء الصالح، في إرباك حركة التجارة العالمية ما أدى إلى زيادة المسافات وأوقات نقل الشحنات، كما يظهر في الصورة التوضيحية. وتوضح الأرقام من مؤشر دروري العالمي للحاويات، الذي يُعنى بقياس تغيرات أسعار الشحن البحري عبر عدد من الطرق الرئيسية، تماماً كيف ارتفعت أسعار الشحن خلال فترة قصيرة منذ منتصف شهر نوفمبر 2023.

ويعتمد قطاع الإنشاءات إلى حد كبير على تسليم المواد والمعدات في الوقت المناسب من الموردين العالميين، لذا يُعد شديد الحساسية تجاه الاضطرابات في سلسلة التوريد البحرية، بما في ذلك التوترات الحالية في مضيق باب المندب.

ويُتوقع أن تواجه قطاعات رئيسية، مثل تصنيع ألواح الطاقة الشمسية وإنتاج المعدات الصناعية ومواد أشباه الموصلات، تحديات ناجمة عن الاضطرابات في سلسلة التوريد. ولعل أصعب هذه التحديات هو الاعتماد على الإنتاج الصيني من ألواح الطاقة الشمسية والمعدات الصناعية، إلى جانب الاعتماد على الموردين العالميين في توفير مواد مهمة، ما يمثل مخاطر كبيرة لمشروعات الإنشاءات في مختلف أنحاء العالم.

ولمواكبة الواقع الحالي، يجب على المقاولين والبائعين في قطاع الإنشاءات اتخاذ خطوات استباقية لقياس التأثير المحتمل للتحديات الحالية على مشروعاتهم والإسراع في اعتماد استراتيجيات لتخفيف تأثيرها السلبي. وتتضمن هذه الخطوة تقييم وسائل النقل البديلة، مثل الشحن الجوي، على الرغم من محدودية جدواها نظراً لتكاليفها الأعلى. وقد يشكل التصنيع المحلي حلاً مؤقتاً، إلا أنه يجب دراسة نواحي القيود اللوجستية وتكاليف الإنتاج بعناية.

كما يُعد التواصل الفعال بين جميع أصحاب المصلحة خطوة حاسمة لتجاوز حالة الاضطرابات في سلسلة التوريد. ويجب على المقاولين الاحتفاظ بسجلات واضحة وشفافة عن تأثير الوضع الحالي على مشروعاتهم، والالتزام بعقودهم فيما يتعلق بإجراءات الإخطار وعمليات المطالبات.

ولا شك في أهمية الجهود التعاونية بين المقاولين والموظفين والموردين لتقليل حالات التأخير وتخفيف التداعيات السلبية على مشروعات الإنشاءات، حيث يجب أن تشكل هذه الخطوة مبدأ أساسياً في القطاع لمواكبة الوضع الراهن.

عانى قطاع الإنشاءات في السابق، إضافة إلى قطاعات كثيرة أخرى، من هشاشة طرق التجارة البحرية، حيث أظهرت الأحداث التاريخية، بما فيها أنشطة القرصنة في خليج عدن، وحالات التعطل في حركة الشحن العالمية والناجمة عن أزمة كوفيد-19، وانسداد قناة السويس في مارس 2021 بسبب سفينة الحاويات إيفر جرين، مدى حساسية سلاسل التوريد العالمية تجاه الاضطرابات غير المتوقعة.

إلا أن حالة عدم الاستقرار الحالية في مضيق باب المندب أحدثت اضطراباً كبيراً في التجارة البحرية العالمية، ولا شك أن قطاع الإنشاءات سيستخلص دروساً كثيرة منها، لا سيما بسبب تأثيراتها بعيدة المدى.

ومع استمرار تطور الوضع، يجب على المقاولين الحذر واتخاذ خطوات استباقية لإدارة مخاطر سلسلة التوريد. وسواء انتهى الوضع الحالي قريباً أو استمر لفترة طويلة، فإن ما يحدث يمثّل تذكيراً للجميع بمخاطر حالات الاختناق في حركة التوريد العالمية وتصاعد التكاليف غير المتوقع.

* مديرة في شركة إف تي آي كونسلتنج في الشرق الأوسط، وشارك في المقال كريج برومهيد، مدير في الشركة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3nzfjs84

عن الكاتب

مديرة في شركة إف تي آي كونسلتنج في الشرق الأوسط

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"