عدالة القضية الفلسطينية تنتصر

00:39 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج
بينما كان رد الفعل الإسرائيلي على أمر محكمة العدل الدولية بوقف العدوان العسكري على رفح متوقعاً، تتجه الأنظار إلى واشنطن باعتبارها الطرف الوحيد القادر على تسهيل تنفيذ القرار، سواء بالامتناع عن استخدام «الفيتو» في مجلس الأمن، أو الضغط الفعلي على تل أبيب للامتثال لحكم أعلى هيئة قضائية تمثل روح القانون الدولي.
صورة الولايات المتحدة أمام الرأي العام العالمي لا تحسد عليها، فللمرة الأولى في تاريخها تعرف هذه العزلة الدولية المتزايدة بسبب دعمها المطلق لإسرائيل، وتحديها للمواثيق والمعاهدات الأممية، ما جعلها تقامر بمصالحها الاستراتيجية وتحالفاتها التاريخية، لأن ادّعاءها بالدفاع عن النظام العالمي ما هو إلا دفاع عن مصالحها، وتوظف في ذلك كل الهيئات والمؤسسات الدولية.
شهادة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان كشفت هذه السياسة عندما أعلن عن فحوى تهديدات تلقاها من سياسيين غربيين وأمريكيين، أبلغوه بأن هذه المحكمة لم يتم إنشاؤها لمقاضاة واشنطن وحلفائها، بل مهمتها الحصرية ملاحقة زعماء إفريقيا وروسيا.
هذه الشهادة كافية للدلالة على مدى سوء المعايير المتبعة في إدارة الأزمات، وفي مصداقية النظام العالمي، وقد سددت له الحرب على غزة ضربة لا يمكن تجاهلها أو التقليل من شأنها. وجاء اعتراف دول مثل إسبانيا والنرويج وإيرلندا بدولة فلسطين، والغضب المتصاعد على إسرائيل ونبذها لدى الرأي العام، دليلاً إضافياً على انقسام المنظومة الغربية، التي كانت حتى وقت قريب لا تستطيع التمرد على هيمنة واشنطن.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي يتهمه المتطرفون في تل أبيب بأنه «معادٍ للسامية» مثل منظمته والهيئات التابعة لها، أحال أمر محكمة العدل الدولية إلى مجلس الأمن، وهو ما سيضع واشنطن مجدداً في موقف حرج جداً، واختبار تاريخي بين الالتزام بالقانون الدولي أو الانقلاب عليه. وهذه المرة لن تكون كسابقاتها، لأن أمر المحكمة صريح ونصّه الواضح لا يقبل التأويل، ولا مكان فيه لـ «الهمهمات» والمواقف الرمادية.
وربما ستمتنع الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو، وستضغط لأن يكون ذلك تحت بند الفصل السادس وليس السابع، الذي يلزم بتنفيذ أمر المحكمة حرفياً، أو فرض عقوبات على إسرائيل حتى تنصاع، مثلما أكدت ذلك المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنـية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز.
إسرائيل تنتهك القانون الدولي، بفعل الحماية الأمريكية، وتواصل الإبادة الجماعية ولم تربح الحرب ولن تحقق أهدافها، وبالمقابل لم تذهب دماء عشرات آلاف الفلسطينيين هدراً، فقد أثمرت تعاطفاً دولياً غير مسبوق ونسجت رأياً عاماً عالمياً، بعضه يكتشف للمرة الأولى عدالة القضية الفلسطينية والحقيقة العدوانية لإسرائيل، وهذه الحقائق الجديدة أصبحت من الثوابت، ولا يمكن التراجع عنها.
بعد ثمانية أشهر من جرائم الإبادة والتدمير، لم تعد غزة مسرح الحرب الرئيسي، بل إن ميادين الحرب الفعلية أصبحت في أروقة الأمم المتحدة والمحاكم الدولية وساحات الجامعات العريقة وشوارع العواصم الكبرى، وهذه حرب لن تنتصر فيها إسرائيل، لأنها أدانت نفسها بالفظائع التي ارتكبتها بحق البشر والحجر في غزة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4abhda8z

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"