الشارقة: جاكاتي الشيخ
يتميز الخط العربي بقدرته على مسايرة التطور الفني، في مختلف تشكّلاته، لما تتيحه تكويناته وتصميماته وتراكيبه من خصائص مرِنة، تمكّن المبدعين فيه من تنفيذ رؤاهم التجديدية، بما لا تضيع معه تلك الأصالة المميزة لهذا الفن الجميل، ومن أهم الفنانين المعاصرين الذين يقدمونه بأسلوب حديث متقن ومتطور الفنان السعودي ماجد اليوسف.
يتميز ماجد اليوسف بأسلوب فني خاص، يمزج فيه بين الخط التقليدي الأصيل، والفن التجريدي الحديث، حيث تبرز الجماليات التجريدية لهذا الفن العريق مُطوِّعة المدارس الفنية الحديثة، ومتجَلِّيَةً في نمط فني غير مألوف، جعل الخط العربي بجمالياته التقليدية أداة تواصل بصري وفني آسر، حتى مع الجمهور الذي لا يتكلم العربية، ليتحوَّل إلى فن كوْني لا تحدّه الهوية ولا الجغرافيا، فأسلوبه نقلة نوعية في الفن، إلا أنه يتدرّج في لوحاته بين تلك الموغلة في التجريد، وتلك التي يطغى عليها الأسلوب التقليدي، مثل اللوحة التي بين أيدينا.
تركيز
خط اليوسف في هذه اللوحة الآية 7 من سورة الزلزلة، وهي قوله تعالى ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾، وكتبها بخط الثلث، وهو أكثر الخطوط استخداماً لديه، نظراً لخصائصه المميزة، إلا أنه استغل تلك الخصائص ليذهب بعيداً في إبراز قدرته على الانصهار في الفنون التشكيلية الحديثة، وهو ما ساعدته عليه المتعة البصرية لهذا الخط، بخصائصه المميزة، مثل مرونة حروفه وحسن تراكيبه وبراعة التأليف فيه، ما يُمَكّن لوحاته من أن تكون أيقونات فنية عظيمة، تعكس المخزون الجمالي الذي يتمتع به الخط العربي بشكل عام، وخاصة إذا امتزجت مع الخصائص الفنية التشكيلية على اختلاف مدارسها.
إن الآية المكتوبة في هذه اللوحة هي دعوة إلى عمل الخير، حيث يقول فيها جلّ جلاله لعباده: إن من عمل أي خير سيجد ثوابه أمامه يوم القيامة، مهما كان؛ صغيراً أو كبيراً، وقد مثَّل بالذرة لأنها من أصغر الأشياء، إشارة إلى أن ضآلة عمل الخير لا تقلل من شأن الثواب عليه، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فكيف إذا كَثُرَ عمل الخير لدى الإنسان؟ وهو المعنى الذي يقابله معنى الآية التالية لهذه، والمشيرة أيضاً إلى أن من عمل شَراًّ، مهما كان حجمه، سيجده كذلك أمامه في الآخرة، ولكن اقتصار الخطاط على هذه الآية دون الأخرى لم يكن اعتباطياً، حيث يريد من المتلقي أن يركّز على الخير وعمله.
تناسق بصري
صمم اليوسف لوحته في تكوين تركيبي محكم، مجسّداً دلالات نص اللوحة بأهم الخصائص المميزة لخط الثلث، فخط نصه بتركيب متفرّع إلى مقطعين، بدأه من اليمين بكتابة «فمن»، التي رسم حروفها في تناسق أنيق، يخدم شكله، وأتبعها بـ «يعمل» التي رسم عينها مفتوحة، ودوَّر جزءها السفلي، وكأنها منفردة، ورسم ميمها في حضنها متصلة بنون «فمن»، ومدّ عصا لامها إلى نهاية الحد العلوي للوحة، وجعل حوضها حضناً لبداية المقطع الثاني، ثم كتب «مثقال» أعلى الكلمتين السابقتين، ومدّ ألفها ولامها إلى نهاية الحد العلوي للوحة، بجانبَيْ لام «يعمل»، وهو بتركيبه لكلمات هذا المقطع فيما بينها يشير إلى ارتباط جزاء الإنسان بعمله مهما صغر، وليؤكد ذلك جعل كلمتي «العمل» و«مثقال» مرتبطتين بالمقطعين، فكان لام مثقال أيضاً حضناً لكلمة «ذرة» التي كتبها في بداية ذلك المقطع الثاني وركّب عليها كلمة «خيراً» التالية لها، والتي فتح عين خائها ودوّر جزءها السفلي، لتشكِّل جناساً بصرياً مع شكل عين «يعمل»، ومدَّ ألفها إلى نهاية الحد العلوي للوحة لتتناسق مع الحروف الممدودة السابقة، وركَّب عليها «يره» التي كتبها بنفس الطريقة التي كتب بها الراء والدال من «ذرة» ليشكّلا تناسقاً بصرياً أيضاً، وهو بتركيبه لكلمات هذا المقطع فيما بينها يدعو المشاهد إلى التركيز على رسالة اللوحة الداعية إلى فعل الخير.
وقد أبدع في استدعاء جماليات الفن التشكيلي مثل لون النقاط الزرقاء التي اختار مواضعها بعناية إبداعية، للدلالة على ثقة الإنسان في فعل الخير الذي يرفعه إلى عليِّين، وهو ما دلّت عليه الحروف الممدودة إلى أعلى اللوحة، كما كان استخدامه للون البني دلالة على أن الأصل في فطرة الإنسان هو فعل الخير والأصل في هذا الجمال هو غِنى الخط العربي.
إضاءة
ولد ماجد اليوسف سنة 1974م، وظهر اهتمامه بالفنون في عمر مبكر، فبدأ يمارس الرسم وتصميم المجسمات الفنية والخط العربي الذي أصبح فيما بعد أهم هواياته، ودرسه معتمداً على نفسه، متتبعاً أمشاق وكتابات الأساتذة الكبار من الخطاطين، مما أسهم في بنائه لقاعدة قوية للارتقاء بالمستوى الفني والمهاري، ثم درس الفنون والتصميم في العراق وإنجلترا، ليحصل بعد ذلك على الماجستير في التصميم التفاعلي من كلية سفانا للفنون والتصميم بالولايات المتحدة 2007م، وعمل مع عدد من وكالات الإعلان العالمية في السعودية والإمارات، ودرَّس مادة التصميم في الجامعة الأمريكية في دبي، وشارك في تأسيس توجه فني جديد، يبحث في تقديم جماليات الخط العربي الكلاسيكية من منظور تجريبي، وعمل على إدخال الخط العربي في منحوتات وتصاميم معمارية وغيرها، فحصلت أعماله على العديد من الجوائز المتخصصة، وشارك في العديد من المعارض الدولية، كما عرضت أعماله في أنحاء عديدة من العالم، مثل لندن وجنيف ونيويورك وإسطنبول وغيرها، بالإضافة لمشاركات عديدة في المنطقة العربية.