محمد جمعة المشرخ*
منذ مطلع الألفية الثالثة، احتلت موضوعات الأمن الغذائي والاستدامة والتكنولوجيا موقع الصدارة في حوارات ونقاشات مراكز صنع القرار الاقتصادي العالمي، ولم تكن منطقة الخليج العربي ودولة الإمارات استثناءً، بل كانت في قلب هذا الحوار بسبب طبيعة أراضيها ومناخها.
وفي الوقت الذي وصل استيراد القمح من خارج الدولة إلى نحو 1.7 مليون طن متري في 2022، دشن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، مزرعة القمح في منطقة مليحة، لتؤمّن هذه المزرعة 15200 طن من القمح العضوي فائق الجودة، تغطي 100% من احتياجات منافذ البيع بالتجزئة في الإمارة.
هذا المثال على الاستثمار الحكيم، الذي تجاوز في إرادته تحديات الواقع ذات العلاقة بالتربة والمناخ واحتمالات النجاح أو الفشل، عبر الدمج بين واحد من أبرز القطاعات التقليدية التي تلبي احتياجات أساسية للجمهور من ناحية، وبين التكنولوجيا والحلول الذكية من ناحية ثانية، حيث انطلق المشروع من المختبرات وأدوات البحث العلمي المتطورة، لإنتاج سلالة جديدة من القمح الأعلى جودة والأكثر تحملاً للمناخ والأقل استهلاكاً للمياه، وتمت تهيئة التربة بأجهزة استشعار ذكية وأنظمة ري مدعومة بالبيانات الفضائية من الأقمار الصناعية.
لذلك عندما نقرأ البيانات التي تتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ يصل إلى 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي في عام 2030، أي أكثر من الناتج المحلي للصين والهند مجتمعتين، فلا يجب أن ينحصر تفكير المستثمرين وروّاد الأعمال في التطبيقات الذكية أو الروبوتات أو في قطاعات جديدة بالكامل من الخدمات المستحدثة فقط، فهذه الأرقام ستتحقق من خلال الاستثمار في حلول التحديات التاريخية التي تعانيها القطاعات الأساسية.
هذا ما نريد أن نقوله في الدورة المقبلة من منتدى الشارقة للاستثمار، وهو إن الاستثمار في الحلول الذكية، لا يقل أهمية عن الاستثمار في الاتجاهات الاقتصادية الصاعدة محلياً وعالمياً، ولا يقل عنها في العوائد ونمو الأعمال وكفاءة التنافسية.في ظل مشهد عالمي يتسم بالاحتمالات المفتوحة على الركود حيناً والتضخم أحياناً أخرى في الكثير من الاقتصادات، تثبت أسواق الشارقة ودولة الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج العربي، أنها الأكثر ثباتاً ومرونة، وأكثر جاهزيةً لاستكمال مسارها التنموي، وبالتالي الأكثر جاذبيةً وملاءمةً لاحتضان الاستثمارات الذكية، حيث تتبنى حكوماتها خططاً سيادية كبرى، جوهرها استراتيجيات وطنية تتمحور حول التحولات الاقتصادية والاجتماعية. ما يعني أن عصر الاحتمالات المفتوحة، ليس بالضرورة أن يكون عصر اللايقين كما يطلقون عليه، بل هو عصر الحكمة والاستثمار الحكيم.