لم يكن قرار الكنيست الإسرائيلي بحظر أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها مدينة القدس منعزلاً عن الجهود الإسرائيلية القديمة- الجديدة لتصفية الوكالة، باعتبارها تشكل تذكيراً بالمأساة الفلسطينية المستمرة منذ سبعة عقود ونيف، والتي تعمل إسرائيل على التخلص منها، ومن القضية الفلسطينية ككل من خلال حرب الإبادة التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني، والذي يشكل قرار الحظر جزءاً منها، لذلك عمدت خلال الحرب على غزة إلى استهداف الوكالة مباشرة وتدمير مراكزها ومدارسها التي تحولت إلى أماكن لإيواء مئات الآف اللاجئين، إضافة إلى موظفيها، وتلفيق اتهامات ضدهم بالمشاركة في الهجمات على المستوطنات المحاذية لقطاع غزة.
أثار قرار الكنيست استنكاراً عربياً ودولياً واسعاً، لأنه في كل سابقة تاريخية تستهدف وكالة أممية لم تتجرأ دولة في العالم على القيام بمثلها، وقد دانته دولة الإمارات العربية المتحدة واعتبرته «يتعارض مع بنود ميثاق الأمم المتحدة والأعراف الدولية»، مشددة على «ضرورة قيام الأونروا وغيرها من منظمات ووكالات الأمم المتحدة بدورها في إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين بشكل عاجل ومن دون أية عوائق»، في حين رأى المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني، أن الحظر يأتي في إطار «حملة مستمرة لتشويه سمعة الوكالة»، معتبراً القرار بأنه يمثل «سابقة خطِرة»، وقالت جولييت توما المتحدثة باسم الوكالة إن القرار في حال تطبيقه «سيكون كارثة» بسبب تأثيره في العمليات الإنسانية في غزة والضفة الغربية.
وفيما حذر أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من «العواقب المدمرة للقرار على اللاجئين الفلسطينيين»، عبرت كل الدول العربية ومعظم الدول الغربية عن قلقها وإدانتها للقرار واعتبرته «غير مقبول» وينتهك الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني والقرارات التي صدرت عن الأمم المتحدة، في حين دعا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى «محاسبة العاملين في الأونروا المتورطين في أنشطة تهدد أمن إسرائيل»، ودعا إلى تقديم المساعدات «مع الشركاء الدوليين»، وليس مع الأونروا، بمعنى كف يد الأونروا عن القيام بمهمتها.
إن القرار الإسرائيلي خطِر، لأنه يشكل اعتداء على وكالة دولية أُنشئت بموجب القرار 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، والأمم المتحدة هي وحدها صاحبة الصلاحية بوقف عمل الوكالة أو تغيير صلاحياتها ودورها، لذلك يعد القرار اعتداء صريحاً على المنظمة الدولية وقراراتها، بل إن القرار يعد انتهاكاً للشروط التي قامت على أساسها إسرائيل، لأن ولادتها لم تكن طبيعية إنما بعملية قيصرية ومن خلال قرار صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 مايو/أيار 1949، ويحمل الرقم 273، باعتبارها «دولة محبة للسلام وقادرة على تحمل الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وتتعهد بأن تحترمها منذ اليوم الذي تصبح فيه عضواً في الأمم المتحدة».
لذلك، فإن قرار الكنيست ورفض تطبيق كل قرارات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية يتعارض بالمطلق مع الإلتزامات التي تم على أساسها قبول إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة، ما يشكل تحدياً حقيقياً للمنظمة الدولية والعالم إزاء دولة تزدري القانون الدولي والإنساني والميثاق الذي ارتضاه العالم أساساً للعلاقات الدولية، الأمر الذي يستوجب قرارات تتجاوز التنديد والاستنكار، باعتبار أننا أمام دولة خارجة عن الإجماع الدولي.
https://tinyurl.com/ycx97w4d