يصعب فصل الشأن الأمريكي عن مجريات الأحداث العالمية لما للولايات المتحدة من نفوذ وتأثير ودور في الأزمات والصراعات المفتوحة، وأخطرها الآن الحرب المستمرة والممتدة في الشرق الأوسط، وتتزامن مع انتخابات رئاسية استثنائية وخطِرة بين المرشحين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس، اللذين يبدوان على طرفي نقيض في كل شيء بما فيه الصراع الدائر في المنطقة.
مع بدء العد العكسي للاقتراع التاريخي، بدأت الأنظار تتجه بقوة إلى مجريات هذه الانتخابات في الولايات الأمريكية كافة، وتتتبع حركات ومواقف وتصريحات ترامب، وهاريس، ونائبيهما، وستكون الساعات الاثنتان والسبعون المقبلة حتى فجر الأربعاء، مملوءة بالهواجس والإثارة والفرضيات، في الوقت الذي تتزاحم فيه الأحداث الحربية في الشرق الأوسط وتتصاعد العمليات والتهديدات والنفير العسكري، وهناك من يربط بين نتائج الاقتراع الأمريكي وما يمكن أن يحدث في الشرق الأوسط، سواء أكان بالتصعيد أم التهدئة. وعلى الرغم من أن العادة جرت بأن القضايا الداخلية هي ما تحسم فوز هذا المرشح أو ذاك، فإنها المرة الأولى، منذ عقود، التي تؤثر فيها الأحداث الخارجية على الشأن الانتخابي الأمريكي، وظهر ذلك جلياً من خلال المنافسة المحمومة بين المرشحين في الولايات المتأرجحة، خصوصاً ميتشيغان، التي تضم جالية عربية ومسلمة وازنة، تجاهر باستيائها من الإدارة الديمقراطية برئاسة جو بايدن ونائبته هاريس، بسبب تخاذلها عن وقف حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة منذ نحو ثلاثة عشر شهراً.
وقد كان هذا الاستياء فرصة للجمهوريين لالتقاطه وتوظيفه لترجيح كفتهم في السباق، وإعلان ترامب أنه سيعمل على إنهاء الحرب وإحلال السلام، ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل وفي أوكرانيا أيضاً و«خلال 24 ساعة» كما ردد مرات. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن هذه التعهدات المسبقة ليست إلا دعاية انتخابية سرعان ما تتبدد بمجرد أن يتبين الفائز من الخاسر، لتظل السياسة الأمريكية تتحرك وفق المصالح والاستراتيجيات التي تظل أكبر من الشخصيات والمرشحين والمشاريع الانتخابية.
لا يخفي المسؤولون الأمريكيون من كلا الحزبين، أن الوضع في الولايات المتحدة والعالم شديد الخطورة ويقف على شفا صراع هائل، خصوصاً في الشرق الأوسط، حيث بدأت التوترات تستقطب أطرافاً من خارج الإقليم، بعضها يتحرك علناً والبعض الآخر بالوكالة، وتعرف المؤسسات الأمريكية في واشنطن أن ما يجري يمس صميم مصالحها ودورها العالمي بصفتها قوة قائدة للنظام الدولي. ولكن نقطة الخلاف تكمن في وجهتي نظر مختلفتين بين ترامب وهاريس، للحفاظ على تلك المصالح، وذلك الدور.
وفيما لا يتوقع أن يحدث تغيير جوهري لو استمرت الإدارة الديمقراطية مع فوز هاريس، يتعهد الجمهوري ترامب، باتباع سياسة مختلفة تتفادى «حرباً عالمية ثالثة» كما يقول، من خلال العمل على إنهاء هذه الصراعات. ومثلما هناك كثيرون ممن يصدقونه ويثقون بتعهداته، هناك آخرون يتخوفون من مفاجآته، ومن عجزه عن فعله، لأن القرار الحاسم ليس بيده، بل بيد الدولة العميقة، التي تدخلت مرات عدة في ولايته الأولى لتغيير مسار سياساته.
مثلما يصعب التنبؤ بنتائج الانتخابات الأمريكية، يصعب أيضاً التكهن بتداعياتها على الحرب الدائرة في الشرق الأوسط، لأن الوضع بات شديد التعقيد، وخارجاً عن السيطرة، وسيبقى رهن مفاجآت غير متوقعة قد تكون في الميدان، وقد تأتي أيضاً من الولايات المتحدة بعد انتخابات الخامس من نوفمبر الاستثنائية.
https://tinyurl.com/294kabru