أحمد عبيد القصير*
في عالم يُقاس فيه النجاح الاقتصادي غالباً بالأرباح والعوائد المالية، نؤمن في هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير «شروق» بمقياس أكثر شمولية للنجاح - مقياس يتجسد في كلمات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة: «نسعى إلى اقتصاد لا يعمل على بناء الأسواق فحسب، بل يستهدف بناء أمة متكاملة يتقدم فيها المجتمع بفضل مساهمات كل فرد فيه». يشكل هذا المبدأ التوجيهي أساس رؤيتنا في «شروق»، حيث يتم تصميم كل مشروع واستثمار ومبادرة ليس فقط لتحقيق الاستدامة المالية، بل أيضاً لرفع جودة حياة الناس، وحماية بيئتنا، وتعزيز التراث الثقافي للشارقة.
لقد أثبت تاريخ اقتصاد العالم أن النجاح الأكثر ديمومة يأتي عندما تتماشى مصالح الأعمال والمجتمعات مع حماية مقومات البيئة والثقافة وضمان استدامتها. هذه الفلسفة متأصلة في جميع مشاريعنا الرئيسية، فعلى مر السنين نفذت «شروق» العديد من المبادرات التي تهدف إلى إحداث تأثيرات ملموسة على كل من المجتمع والبيئة.
في قلب الشارقة، الذي يعد أحد أكبر مشاريع ترميم التراث في المنطقة، تجسدت هذه الرؤية على أرض الواقع. فعلى مستوى المساهمة في حماية الهوية الثقافية للإمارة، عملنا بالتعاون مع الجهات المختصة على إحياء تراث المدينة وتاريخ حراكها التجاري من خلال ترميم بيوت ومساكن أهالي الشارقة قبل أكثر من 150 عاماً. وعلى صعيد دعم توجهات الإمارة الاقتصادية وتعزيز فرص نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة، نجحنا في توفير بيئة حاضنة لعشرات المشاريع، التي تعزز جاذبية الإمارة على خارطة الوجهات السياحية في المنطقة والعالم. هذه الأوجه المتعددة لتأثير مشروع قلب الشارقة يمكن قراءتها وقياس نتائجها في مجمل المشاريع التي تقودها «شروق»، فالمتابع لمشروع «منتزه مليحة الوطني» مثلاً لا يجد مشروعاً بيئياً يخدم الطبيعة الغنية والمتنوعة التي تتمتع بها الإمارة وحسب، وإنما يجد بعداً آخر يتعلق بحماية وصون المقدرات التاريخية للإمارة، والاستثمار بها كواحدة من روافد الاقتصاد المحلي القائم على الجذب السياحي، وحتى أحد الروافد المعرفية والتعليمية في الإمارة. إذ يعد المنتزه موطناً لعدد من أهم المكتشفات الأثرية في المنطقة، ويقع في قلبه «مركز مليحة للآثار» الذي يحتضن مجموعة من المكتشفات الأثرية التي يعود تاريخها لآلاف السنين.
البعض يتساءل: لماذا نختار في بعض مشاريعنا الترميم بدلًا من بناء المشاريع من الصفر؟ الإجابة تكمن في إدراكنا أن الأماكن التي تحمل بين طياتها تاريخاً غنياً تروي قصصاً للأجيال المقبلة. نحن نعيد إحياء هذه المواقع لتكون شاهدة على التراث الثقافي الغني لإمارتنا، ونمنح زوارنا والمستثمرين فرصة التفاعل مع تاريخها العريق. هذه الرؤية ليست مجرد رهان على الماضي، بل هي جزء من التزامنا بالاستدامة الاقتصادية.
لذلك يمكننا القول: إن الاقتصاد الناجح ليس فقط في تحقيق الأرباح، بل في بناء أجيال واعية ومسؤولة تجاه البيئة والثقافة. لذلك، فإن المشاريع التي نبنيها ليست مجرد مواقع سياحية أو استثمارات قصيرة الأجل، بل هي إرث مستدام يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل. فكل مشروع عملنا عليه في مجال الضيافة والترميم لم يكن مجرد استثمار عقاري، بل جاء أشبه بجسر يربط بين تاريخ الشارقة ومستقبلها، ويسهم في بناء اقتصاد مسؤول يحافظ على هويتنا الثقافية وفي نفس الوقت يعزز فرص النمو للأجيال القادمة.
بالنظر إلى المستقبل، ستعطي مشاريعنا المقبلة الأولوية للطاقة المتجددة، والبنية التحتية المنخفضة الكربون، ورفاهية المجتمع، بحيث لا تجذب المستثمرين والسياح فحسب، بل ستوفر أيضاً فوائد دائمة للمجتمعات المحلية، مما يضمن مستوى حياة أعلى لسكان الشارقة.
بطبيعة الحال، فإن دمج المسؤولية الاجتماعية في النماذج الاقتصادية ليس أمراً خالياً من التحديات ولا يتحقق بالنوايا الطيبة فقط، إذ يتطلب تحقيق التوازن بين النمو المالي والاستدامة والرفاه تخطيطاً دقيقاً ورؤية طويلة الأمد ونحن نواجه هذه التحديات من خلال ضمان أن يكون البعد الاجتماعي للنمو جزءاً أساسياً من كافة استراتيجيتنا والبوصلة التي تقود خططنا المستقبلية. إن الإرث الحقيقي للشركات والمؤسسات هو ذلك الخير الاجتماعي المستدام الذي تحقق بفعل النشاط الاقتصادي المسؤول، نريد أن ننظر للتاريخ بفخر بما حققنا وبما أنجزنا، ونريد أن تكون «شروق» حكاية تتجاوز النجاح المادي لتصبح جزءاً من ذاكرة مجتمع لمس وعايش آثارها الإيجابية في البنية الاجتماعية والثقافية وفي حياة أبنائه.
*المدير التنفيذي لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير «شروق»