العلاقة المتحولة بين أمريكا وأوروبا

01:12 صباحا
قراءة 4 دقائق

تلاحقت تفسيرات كبار الخبراء في شؤون الدولة الأمريكية، من حيث التاريخ، والمواريث الثقافية، والقيم والتقاليد المستقرة على طول الأزمان، وشملت مناقشة تأثيرات ممارسات دونالد ترامب على هذه المواريث. وجميعهم لا ينتمون إلى فصيل سياسي واحد، بل يتوزعون بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
وفي ختام هذا الجدل قام الخبير الاستراتيجي الأمريكي إريك بردون العضو البارز في الحزب الجمهوري بتلخيص علامات المخاوف والقلق التي سيطرت عليهم بطرح سؤال محدد اتفقوا عليه وهو: هل تحولت العلاقة بين أمريكا وأوروبا من الحليف إلى العدو؟ وجاء السؤال تعبيراً عن توقعات ناتجة عن طريقة ترامب في الحكم وممارسة السياسة.
أشعل هذه المخاوف خطبة نائب ترامب، جي دي فانس أمام مؤتمر قمة ميونخ للأمن في انتقاد حاد للحلفاء، ودفاع عن تيارات اليمين المتطرف في أوروبا، والتي تعد خصوماً للأنظمة التقليدية التي تمثل عموم شعوب هذه الدول، بحيث جاء الخطاب يمثل نوعاً من الانقلاب السياسي المعهود، وفي دفاع مخالف للقيم المشتركة التي جمعت تاريخياً بين أمريكا وأوربا.
هنا علقت مجلة «إيكونوميست» البريطانية بقولها إن ترامب يعمل على تقويض الديمقراطية ليس في الدولة الأمريكية وحدها، بل في كل أوروبا. وهو ما يكشف عن توجهات تُلحق ضرراً بالنظام الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية والذي ترتكز عليه قاعدة النظام الدولي، وهو ما يعنى نهاية مرحلة تاريخية في علاقة الأمن الغربي للأطلسي، وبداية مرحلة تختلف فيها المسيرة الأمريكية عن الأوروبية.
ثم جاءت خطبة «جي دي فانس» مهاجماً قادة أوروبا، بوصفه قراراتهم بالسيئة، ما دعا المشاركين للقول إنه بذلك يتحالف مع اليمين المتطرف.
وسارع بالرد عليه كريستوف هيوسجون رئيس المؤتمر بالقول علينا أن نحذر من أن قاعدة المبادئ المشتركة بيننا كحلفاء لم تعد مشتركة بعد اليوم، مثمناً مواقف المشاركين في المؤتمر الذي عارضوا نائب رئيس أمريكا، والذي جعل الدولة الأمريكية في عهد ترامب تتدخل في أمس الشؤون الداخلية للحلفاء.
وشاركتهم صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية في التعبير عن قلق قادة أوروبا من سلوكيات ترامب، وفي الحال قرر قادة أوروبا عقد قمة لمناقشة موقفهم من تصرفات ترامب الانفرادية، والتي بدأت باستبعاد الحلفاء من التفاوض على حرب أوكرانيا، وما قرره قادة أوروبا من عقد قمة خاصة لمواجهة خطط ترامب.
وتحدث خبراء أوروبيون قريبون من دوائر صنع القرار عن توقع انتهاج أوروبا لسياسات جديدة لحماية مصالحها وفي المقدمة منها اقتصادها.
وهو ما نتج عنه رفع شعار مضاد للنهج الأمريكي بقول «أوروبا أولاً» رداً على مقولة ترامب المتكررة «أمريكا أولاً»، والتي تعني استبعاد الحلفاء من أولوياته.
في هذا الإطار راحت ردود أفعال رؤساء دول أوروبا تتوالى، منها ما أعلنه دونالد توسك رئيس وزراء بولندا من وصف مواقف ترامب بالحمقاء، والتي تمثل حرباً تجارية على الحلفاء، وما أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أنه في حالة تعرض أوروبا لهجوم أمريكي في مجال التجارة سيكون على أوروبا أن ترد وتفرض احترامها على الآخرين.
كما أن جاستون ترودو رئيس وزراء كندا أعلن أن بلاده ستفرض رسوماً جمركية عالية على واردات أمريكا من سلع بلاده. وأعلنت كلاويد شينباوم رئيسة المكسيك توقّع فرض إجراءات جمركية وغير جمركية ضد أمريكا، دفاعاً عن مصالح بلادها. كما عبر وزير المالية الياباني كاتسو نوبو كاترو عن قلق عميق من تضرر الاقتصاد العالمي بأكمله من الرسوم الجمركية الجديدة على دول مثل كندا والمكسيك والصين، بمعنى أنه لم يعد يفرق بين الحلفاء والخصوم، مشيراً إلى أن اليابان لا بد أن تتخذ الإجراءات المناسبة.
في نفس الاتجاه وصفت صحيفة «الغارديان» البريطانية قرارات ترامب بالعشوائية، وأنها تشكل خطراً على أمريكا ذاتها، من مظاهرها ارتفاع معدلات التضخم واضطراب حركة الصناعات، وحذر محللون أوروبيون من تطور التدهور في العلاقة إلى اندلاع حرب تجارية بين أمريكا وأوروبا، وهو ما سيؤدي إلى تراجع النمو في أمريكا، ورفع أسعار السلع الاستهلاكية على المدى القصير.
وتوقع المعلقون الأوروبيون أن يلجأ الاتحاد الأوروبي إلى ردود أفعال بما لديه من أسلحة كثيرة، وإذا اضطر لها فلن يكون لديه ما يخسره.
كانت البداية عندما راح ترامب يلاحق الأوروبيين بالضربات التي وصفت بالمواقف العدائية التي لا تفرق بين الأصدقاء والأعداء.
ونتيجة لكل ذلك بدأ الخبراء في أمريكا وأوروبا يتفقون على أن العالم يمر الآن بمرحلة تاريخية من التحالفات الدولية، وتنوع المصالح السياسية والاقتصادية، وبداية لمرحلة جديدة مختلفة من التحالفات الدولية.
إن واقعة خطاب دي فانس ستظل متجذرة في عقول ونفوس حلفاء أمريكا، وستكون لها تداعيات مستمرة التأثير.
ومن ناحية انتهاك ترامب للقواعد الملزمة للحلفاء خاصة الدولة القائدة للتحالف، من حيث إن قيامها بدورها لا يكتمل إلا بمساندة الدول المتحالفة معها، فقد بدأ العلماء المتخصصون في قواعد استمرارية وعمل التحالفات في التحدث عن وجود العديد من المواثيق الدولية والقانونية، منها على سبيل المثال ما عرف ب«Code Of Conduct For Members» وغيره الكثير، وكلها تحدد سلوكيات الأعضاء خاصة ما تلتزم به قيادة التحالف، والنص على أن معيار عدم الخروج على التوافق مع الحلفاء يتم بالموافقة عليه سنوياً.

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"