مريم الحمادي*
العمل على تعزيز دور المرأة ومكانتها الاجتماعية والتنموية، لا يرتبط فقط بالبرامج والمبادرات والمشاريع، بل يحتاج منا أن نتوقف في كل مرحلة لنحتفي بمنجزاتها ومشاركتها في مسيرة البناء والتقدم، وأن نتأمل التقدم المحرز نحو تحقيق المزيد من التوازن بين الجنسين في جميع المجالات على مستوى العالم، كما يحتاج أيضاً إلى الاعتراف العالمي بقدرة المرأة على العطاء والالتزام بالقضايا العامة، وهي صفات شهدتها عن قرب خلال سنوات عملي في مجال العمل الإنساني، وشهدت أيضاً كيف يكون الاحتفاء بهذه الصفات وتقديرها دافعاً قوياً ومؤثراً في عملية التمكين.
خلال عملي في «مؤسسة القلب الكبير» على مدار أكثر من 10 أعوام، أتيحت لي الفرصة للقاء نساء من أكثر من 30 دولة. جلست مع أمهات فقدن كل شيء، ونساء شردتهن الحروب، ومع فتيات حُرمن التعليم، ورغم ذلك، لم يستسلمن، واظبن على التعّلم والتطوّر لدخول الحياة المهنية والاجتماعية، وبعضهن استطاع أن يصنع أعمالاً ومشاريع بدأن بها من الصفر وحققن نجاحات تستحق التقدير، هؤلاء النساء لم ينجحن فقط في البقاء، بل وفي الشراكة بصياغة وتشكيل مجتمعاتهن.
لقد ساهمت هذه اللقاءات في تشكيل رؤيتي حول المعنى الحقيقي لتمكين المرأة، وهو أن هذا التمكين لا يستهدف تحقيق مصالح النساء فقط، بل هو فعل تنموي بامتياز، وهو شرط ضروري لتحقيق نهضة المجتمعات بأيدي أبنائها وقواها ومواردها الذاتية.
وفيما أبدأ رحلتي الجديدة في مؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، أحمل معي الدروس المستفادة من هؤلاء النساء الملهمات، وهو أن رسالة «نماء» تتمثل في خلق بيئة تضمن دمج المرأة كعنصر أساسي في التقدم الاقتصادي والاجتماعي، لأننا في «نماء» نؤمن بأن ازدهار المرأة هو ازدهار المجتمع والاقتصاد والثقافة والعلوم، هذه هي الرؤية التي استلهمناها من قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة «نماء»، فقد كرّست سموها جهودها لتعزيز دور المرأة في المجتمع، واضعة نموذجاً رائداً في القيادة والشمولية والتنمية المستدامة، وأحدثت جهود سموها تحولاً كبيراً، ولا تزال مصدر إلهام لعدد لا يحصى من النساء، وأنا واحدة منهن، وداعمة رئيسية للمبادرات التي تعزز عالماً أكثر عدالة وإنصافاً.
إن التأمل في واقع المرأة العالمي اليوم ومنجزاتها ليس مجرد حالة ذاتية، بل هو دعوة للمزيد من العمل، وتأكيد الالتزام بالمضي قدماً، لضمان حصول كل امرأة، مهما كانت ظروفها وأينما كانت في هذا العالم، على الفرصة لتحقيق النجاح، ونحن في «نماء»، ملتزمون بهذه الرؤية، من خلال استحداث وتصميم البرامج والمبادرات التي تعزز قدرات المرأة بالمهارات، وتمكنها من الوصول إلى الفرص التي تستطيع من خلالها التعبير عن طاقاتها وإمكانياتها بلا حواجز، ومن خلال التحفيز المتمثل بتقدير دورها ومكانتها.
لهذا، علينا أن نحتفي دوماً بالنساء اللواتي تجاوزن التحديات وواصلن تحقيق المنجزات من دون كلل، فألهمنني وألهمن العالم بقصصهن التي تذكرنا أن الإرادة لا حدود لها، وأن المستقبل لا تشكله الظروف العابرة بل تصنعه العزيمة الواثقة الواعية.