الإمارات ودورها الفاعل في لبنان

00:03 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. خليل حسين *

شكلت القمة الإماراتية- اللبنانية، منعطفاً جديداً في تعزيز العلاقات البينية، وهي في الواقع علاقات ممتدة لأكثر من نصف قرن، إذ بدأت منذ قيام الاتحاد في الثاني من ديسمبر/كانون الأول عام 1971، وتتابعت في مختلف العهود بمستويات رفيعة تنم عن قواسم مشتركة كثيرة، علاوة على رغبة قيادتي البلدين والشعبين على تحفيز العوامل الإيجابية التي تنامت باطراد ومن دون انقطاع عملي، على الرغم من مرور بعض الظروف العربية الحساسة، التي أثّرت في مجمل العلاقات العربية العربية.
لقد أنهى الرئيس اللبناني جوزيف عون، زيارته للإمارات العربية المتحدة، ولقائه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بسلسلة من المواقف والقرارات التي اتسمت برغبة البلدين في تنمية أطر التعاون، التي لم تنقطع في الأساس، حيث بدت الإمارات الدولة العربية الفاعلة في مجلس التعاون الخليجي الداعم الرئيسي والراعية الأبرز للأوضاع اللبنانية، ومساعدته على كافة المجالات الاقتصادية والإنمائية، وغيرها الكثير من الجوانب، المتصلة بالنزاعات والحروب التي انتشرت فيه.
ففي قراءة سريعة وهادفة، قدمت الإمارات بعد وقت قصير من إعلانها الاتحاد تمويلاً لمشروع نهر الليطاني بمبلغ 300 مليون دولار في عام 1973، وهو رقم معتبر آنذاك وشكل الركيزة الأساسية لأضخم مشروع مائي في المنطقة، والذي شكل بيئة متكاملة للإنماء الاجتماعي في لبنان إن لجهة الزراعة وإنماء مناطق شاسعة من شماله إلى جنوبه وتوفير آلاف فرص العمل، حيث اعتبر هذا المشروع وتمويله من أبرز المشاريع التي حصل عليها لبنان من أشقائه العرب.
وفي الواقع لا تمر مناسبة في لبنان إلا ويكون للإمارات بصمات واضحة وخيّرة، وبخاصة عند ظهور الأزمات، وحيث تستنكف الكثير من الدول يظهر الدور الإماراتي في المساعدات العاجلة بدءاً من الأغذية والجوانب الصحية التي غالباً ما كان يحتاج إليها لبنان.
كما يسجل للإمارات دور بارز وفاعل في العديد من المحطات القاسية التي مر بها لبنان، فعلى سبيل المثال لا الحصر قادت الإمارات العربية المتحدة، مشروعاً ريادياً لجهة الالتزام بنزع الألغام ومخلفات الأعمال العسكرية التي نجمت عن الحرب الإسرائيلية على لبنان في عام 2006، حيث قادت أعمالاً تم بموجبها نزع مئات آلاف الألغام والقنابل العنقودية غير المنفجرة وسط ظروف قاسية لجهة طبيعة الأرض ونوعية المخلفات وطرق نزعها وإتلافها. كما لم تتوان الإمارات عن دعم لبنان إبان انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020 لجهة أعمال الإنقاذ وإعادة الترميم والبناء لعشرات آلاف الوحدات السكنية، وهي عملية ممتدة لدور مماثل في إعادة الإعمار بعد حرب عام 2006.
في المقابل، تستضيف الإمارات العربية المتحدة، جالية لبنانية كبيرة تفوق المئة والخمسين ألفاً، حيث تسهم بشكل فاعل في العديد من الجوانب الإماراتية الإنمائية عبر كوادر رفيعة المستوى، حيث شكلت هذه الجالية رافعة ودعامة رئيسية في النمو الذي شهدته الإمارات منذ انطلاقاتها في بداية سبعينات القرن الماضي، وأرخت هذه الجالية علاقات مجتمعية مشرقة ناجمة عن تجانس في الرؤى الاجتماعية والحياتية، وما أسهم في إنماء هذه الميزة وتسارع مراكمة مزاياها الزيارات السياحية للإماراتيين إلى لبنان وتفاعلهم الاجتماعي مع المجتمع اللبناني، حيث المصاهرات العائلية وشراء العقارات ونمو الاستثمارات الإماراتية في مختلف القطاعات اللبنانية.
وبالعودة لنتائج القمة الإماراتية اللبنانية، يظهر أن ثمة إصرار من البلدين الشقيقين على إعادة إنماء العلاقات الثنائية وتخطي بعض المظاهر السلبية العابرة التي طرأت في عام 2021 نتيجة الأحداث السورية وانعكاساتها. وفي هذا الإطار أعلن في البيان المشترك بعد انتهاء القمة بين البلدين عن النية لرفع التمثيل الدبلوماسي وهي خطوة طبيعية بعد إعادة فتح السفارة الإماراتية في بيروت في يناير/كانون الثاني 2024، إضافة إلى السماح للإماراتيين بالعودة لزيارة لبنان والإقامة فيه.
إضافة إلى ذلك، تم الإعلان عن مسارات وآليات تنفيذية لتطوير المساهمات والمساعدات للبنان، ومنها الإعلان عن إرسال فرق متخصصة لمساعدة لبنان على نقل التجارب الإماراتية لجهة تطوير العمل الحكومي والمؤسساتي ونقل تجارب رائدة، أثبتت فاعليتها في المجتمع الإماراتي. ولمزيد من إرساء تلك التجارب وتفعيل سبل إنماء العلاقات البينية في العديد من المجالات أعلن عن إنشاء مجلس إماراتي لبناني ذات صفة استمرارية لمتابعة تنفيذ المشاريع والمساعدات التي سترصد لاحقاً.
وخلاصة القول، لقد أسّس لقاء القمة بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والرئيس اللبناني العماد جوزيف عون، لمستقبل واعد من العلاقات الثنائية، التي تبدو ضرورية ولازمة في ظروف عربية وإقليمية ودولية تستدعي إعادة ترتيب وترميم مجمل العلاقات العربية العربية وبخاصة ما يتعلق منها بعلاقات لبنان الخليجية، بعدما شاب بعضها مظاهر غريبة عن طبيعة العلاقات التي سادت بين البلدان العربية ولبنان، وبخاصة الخليجية. وفي الواقع أيضاً، يعلق لبنان آملاً كبيراً على تطوير ودعم الإمارات في ظروف هي الأصعب التي يمر فيها لبنان دولة ومؤسسات ومجتمعاً، حيث تعد هذه الزيارة والقمة هي سلسلة في سياسات ينتهجها لبنان.

*رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"