تُشكّل إمارة الشّارقة نموذجاً متقدّماً في بناء مجتمعٍ حديثٍ وتكافليّ، تتكامل فيه أدوار المؤسّسات الحكوميّة وشبه الحكوميّة والخاصّة، ضمن رؤيةٍ تنمويّةٍ شاملةٍ تضع مصالح كافّة الفئات والأفراد في صميم السّياسات والتّشريعات، فالنّهج الّذي تتبنّاه الشّارقة يقوم على مبدأ الشّراكة الفاعلة بين مختلف القطاعات، بما يُعزّز قدرة الإمارة على صياغة حلولٍ واقعيّةٍ ومستدامةٍ للتّحدّيات المجتمعيّة، ويُرسّخ مفهوم التّنمية كجهدٍ جماعيّ يعتمد على التّنسيق والتّكامل، ويجعل من شعار الإنسان أوّلاً، بوصلةً لكلّ عملٍ وممارسةٍ ومبادرة.
تجلّت هذه المعادلة للشّراكة والتّعاون والتّوافق على الرّؤية التّنمويّة في كافّة سياسات الإمارة الّتي كان آخرها توجيه صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمّد القاسميّ، عضو المجلس الأعلى حاكم الشّارقة، باعتماد «إجازة الرعاية» كجزءٍ من منظومة العمل الحكوميّ في الإمارة، الّتي تُمنح للأمّهات العاملات ممّن يرُزقن بأطفالٍ من ذوي الإعاقة أو من المصابين بأمراضٍ مزمنةٍ، وتمتدّ لعامٍ كاملٍ مدفوع الأجر بعد إجازة الوضع، مع إمكانيّة تمديدها حتّى ثلاث سنوات، والّذي جاء بعد دراسةٍ بحثيّةٍ شاملةٍ قامت بها «نماء» بتوجيهات وقيادة قرينة صاحب السموّ حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسميّ، رئيسة مؤسّسة نماء للارتقاء بالمرأة، حول واقع وظروف الأمهات العاملات الّلواتي يربين أطفالاً من ذوي الإعاقات، أو المصابين بأمراضٍ مزمنة.
هذا الدّور المحوريّ الّذي قامت به «نماء» لم يكن وليد صدفةٍ، ولا نتيجة اجتهادٍ خارج السّياق، بل جاء تتويجاً لمسارٍ مؤسّسيّ واضحٍ ومتماسكٍ، يستند إلى رؤيةٍ راسخةٍ تقود عمل المؤسّسة، ويُعبّر عن ثقافة إمارة الشّارقة في تعاملها مع الإنسان بوصفه جوهر التنمية وغايتها. ويساهم أيضاً في تهيئة المناخ الملائم لتعزيز مساهمة الأفراد بشكلٍ عام، والمرأة بشكلٍ خاص، في أداء الدور والواجب التّنمويّ بدون تحدّيات أو تعقيدات.
إنّ قرار صاحب السموّ حاكم الشارقة يعكس إخلاصاً عميقاً لتمكين المرأة وتمكين المجتمع وتعزيز جودة الحياة. فعلى الصعيد الاجتماعيّ، يمنح القرار الأمهات وقتاً كافياً لتقديم الرّعاية المتخصصة لأطفالهنّ من ذوي الإعاقة أو الأمراض المزمنة، ما ينعكس إيجاباً على نموّ الطفل واستقرار الأسرة، ويُرسّخ ثقافة التّكافل والترابط الأسريّ كما يُقلّص من التحديات المرتبطة بالتوفيق بين المسؤوليّات المهنيّة والعائليّة.
أما اقتصادياً، فرغم أن الإجازة مدفوعةٌ وطويلةٌ، إلّا أنّ أبعادها الاقتصاديّة على المدى الطويل إيجابيةٌ بامتيازٍ، فهي تُكرّس مفهوم الاقتصاد الإنسانيّ الّذي لا يرى في الإنسان مجرّد رقمٍ في سوق العمل، بل عاملاً حيويّاً يحتاج إلى بيئةٍ داعمةٍ ليُنتج ويُبدع، ما يُعزّز من بناء رأسمالٍ بشريّ متماسكٍ، ويؤكّد أنّ التنمية الحقيقية تبدأ من الإنسان أولاً ودوماً.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







