يونس السيد
منذ نحو أسبوع تدور مفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة حول وقف إطلاق النار في غزة والتوصل إلى صفقة تبادل للأسرى، من دون تحقيق أي تقدم يذكر إلى الحد الذي وصفها موقع «أكسيوس» الإخباري الأمريكي بأنها أسوأ جولة عرفتها المفاوضات، لكنها مع ذلك استمرت طوال هذا الوقت لحاجة الطرفين إلى التوصل لاتفاق.
منشأ هذا التعثر في المفاوضات أنها تبحث عن تسوية ما بين موقفين متناقضين ومتعاكسين، أحدهما يسعى إلى وقف الحرب والآخر يصرّ على استمرارها حتى تحقيق أهدافها، من وجهة نظره. ومع ذلك فإن كلا الطرفين لم يغادر طاولة التفاوض غير المباشر، لأنها تمثل الفرصة الأخيرة لكليهما، ولأن كلاً منهما، بعد أن انخفض سقف التوقعات، راح يسعى إلى استخدام ما بحوزته من نقاط قوة أو أدوات ضغط لقلب النتائج لصالحه.
فالجانب الإسرائيلي الذي يتبنى استراتيجية الضغط العسكري والتهديد ب«عربات جدعون» لتوسيع الحرب، أي احتلال قطاع غزة والبقاء فيه وتهجير سكانه إلى معازل في جنوب القطاع، مع تعميق الكارثة الإنسانية عبر تشديد الحصار ومنع إدخال المساعدات، يراهن على أن هذه العوامل مجتمعه ستؤدي في النهاية إلى رضوخ الطرف الآخر والتوصل لاتفاق بشروطه. في حين يراهن الجانب الفلسطيني على ورقة الأسرى والضغوط الداخلية الإسرائيلية المطالبة باستعادتهم، إلى جانب الضغوط الدولية المتصاعدة والمطالبة بإطلاق الرهائن وإنهاء الحرب كعوامل مساعدة للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب. ناهيك عن رهان فلسطيني على موقف أخلاقي أمريكي بعد الإفراج عن عيدان ألكسندر، يرد الجميل بالضغط على إسرائيل لإدخال المساعدات إلى القطاع على أقل تقدير.
لكن لا يبدو أن نتنياهو يكترث لكل هذه العوامل، بما في ذلك مصير الرهائن أنفسهم لاعتبارات سياسية وشخصية وأيديولوجية، وبالتالي فإن أقصى ما هو مستعد للذهاب إليه هو إبرام صفقة جزئية تتضمن إطلاق سراح ما يقرب من نصف الرهائن الأحياء مقابل هدنة لعدة أسابيع وإدخال مساعدات إلى القطاع دون إنهاء الحرب.
وهنا يكمن جوهر الخلاف، لأن إنهاء الحرب، كما بات معروفاً للجميع، يعني نهايته السياسية وانهيار ائتلافه الحكومي، ويعني فشلاً تاماً في تحقيق أهداف الحرب، بينما لديه «عربات جدعون»، ذلك الاسم السحري الذي يحاول من خلاله إسقاط الماضي الديني التاريخي على الحاضر.
ولكن حتى هذا الخيار ليس مضمون النجاح، وفق كثير من الجنرالات والقادة الإسرائيليين، الذين يحذرون من التداعيات الخطرة المترتبة عليه، مؤكدين أن كل بقعة في قطاع غزة تم الدخول إليها عدة مرات، من دون أن يتمكن الجيش الإسرائيلي من البقاء فيها نظراً للكلفة الباهظة. كما أن خيار «عربات جدعون» بقدر ما يثير جدلاً في الداخل الإسرائيلي، فإن توظيفه يأتي معاكساً للسردية الدينية والتاريخية حين كان بنو إسرائيل في العهد القديم مضطهدين من قبل أعدائهم، بينما هم اليوم من يحتل شعباً آخر ويحاول اقتلاعه من جذوره.