تقويض الأمم المتحدة

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين
1

بات مصير منظمة الأمم المتحدة على المحك، بعدما أثبتت عجزها عن ممارسة دورها المفترض في حماية الأمن والسلام العالميين، وفقاً لميثاقها، وعدم قدرتها على وقف الصراعات والحروب والأزمات المتفجرة في العالم جراء الاستقطابات الحادة بين الأطراف المنخرطة في هذه الأزمات، وممارسة حق النقض (الفيتو) الذي تلجأ إليه الدول الكبرى لإحباط أي جهد لوضع حد للصراعات القائمة، وقد زاد من حدة الأزمة التي تواجهها المنظمة الدولية أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ ولايتها الأولى عام 1916، وفي ولايتها الثانية العام الحالي ترفض مفهوم النظام العالمي الذي أسست له الولايات المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية، وأفضى إلى إنشاء الأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة السياسية والاقتصادية والصحية والبيئية والإنسانية والثقافية وغيرها، كما ترفض الإلتزام بقواعد النظام الذي الذي أسسته وسارت عليه إدارات البيت الأبيض منذ الرئيس هاري ترومان.
لقد اختارت هذه الإدارة خلال ولايتيها الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ التي وافق عليها العالم لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في محاولة لمواجهة آثار تغير المناخ، باعتبارها «خديعة»، كما وقع أمراً تنفيذياً بالإنسحاب من منظمة الصحة العالمية، ورأى أن واشنطن «لم تجن سوى الخسائر من هذه المنظمة»، إذ يشكل الإنسحاب من منظمة الصحة مشكلة كبيرة للمنظمة في أداء دورها، حيث تغطي واشنطن خمس ميزانيتها، كذلك أصدر ترامب أمراً تنفيذياً آخر بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، واتهمه بأنه «يتبنى سياسة منحازة ضد إسرائيل»، وهي الذريعة التي لطالما استخدمها ترامب لانتقاد المجلس، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد قرر أيضاً وقف أي تمويل إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسلسطينيين (الأونروا) بدعوى ارتباطها بحركة «حماس»، وهي التهمة التي رددتها إسرائيل، ولم تثبت التحقيقات صحتها. وكانت إدارة ترامب انسحبت العام 2018 من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ثم عادت إليها في عهد الرئيس جو بايدن.
لقد أثارت هذه الانسحابات جدلاً حول أثرها، إذ اعتبرها بعضهم إعادة تموضع استراتيجية للتركيز على المصالح القومية، فيما اعتبرها آخرون بأنها تفكيك ممنهج لأسس النظام الدولي، والتحذير من تداعياتها، خصوصاً أنها تعني التخلي عن الالتزامات الأمريكية تجاه المنظمة الدولية وفقاً لم تم الاتفاق عليه منذ إنشائها عام 1945، وهو إسهامها الأكبر في ميزانية الأمم المتحدة، والعمل مع المنظمة في مجالات، مثل الأمن والسلام والتنمية، وحماية حقوق الإنسان، وتطبيق القانون الدولي، وهي أهداف تتجاهلها إدارة ترامب كما تجاهلتها الإدارات السابقة، ما جعل الأمم المتحدة عاجزة عن القيام بدورها.
إننا نشهد نقطة تحول في تاريخ الأمم المتحدة، حيث تتعمد الإدارة الأمريكية إنكار دورها وتهميشها والعمل على إضعافها، وفي الوقت نفسه سوف تضر سياسة إدارة ترامب بمكانة الولايات المتحدة على مستوى العالم، ولن تفيد بالتأكيد سياسة واشنطن على المدى الطويل ما يضع النظام العالمي ومعه منظمة الأمم المتحدة في مهب الريح.

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"