انتهت الحرب وبدأ الدرس

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

الأيام العصيبة التي شهدتها المنطقة جراء الاستهداف الإسرائيلي لإيران وما تبعه من تداعيات خطيرة، ستكون حافلة بالدروس، خصوصاً بعدما انتصرت الحكمة على التهور والعقلانية على التطرف، وانتهت هذه الحرب المخيفة بجهود متعددة القنوات وعبر العواصم المؤثرة، وهي نتيجة سعيدة ومبشرة، وستساهم في تغيير المنطقة فعلاً لا وهماً.
منذ فترة طويلة، ولاسيما بعد العدوان الإسرائيلي على غزة، أخذت التحذيرات تتوالى من اتساع حلقة النار وانجرار أطراف قريبة وبعيدة إلى أتونها، وهو وضع لم يكن تجدي معه اللامبالاة، وإنما كثير من التعقل وبعد النظر والاستشراف الدقيق للمخاطر، فرضت مجتمعة مواقف صلبة ودعوات صريحة لإنهاء هذا التصعيد المثير للقلق. ومما يسجل في هذا المقام ما قامت وتقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة من جهود واتصالات مكثفة وتنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية لإخماد هذه الحرب، وهو موقف ينطلق من خبرة دبلوماسية في التعامل مع أزمات المنطقة، ويتأسس على رؤية تعمل على تغليب الحكمة ومعالجة القضايا الخلافية بالحوار والقنوات الدبلوماسية، باعتبارها الخيار الأسلم لتحقيق الأمن الإقليمي وحفظ مكتسبات الأجيال الحاضرة والآتية، ومحاولة الخروج من دائرة الصراعات، التي لا تخمد إلا لتندلع مجدداً، مثلما هو الحال مع الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، ونواياه العدوانية في دول الجوار وأبعد منها مثل ما حدث في إيران.
حرص جميع الأطراف، ومن بينها دولة الإمارات، على ضرورة إنهاء التصعيد فوراً، يعكس شعوراً بمسؤولية سياسية وأخلاقية تجاه هذه المنطقة ومستقبلها، كما أنه التزام بالقيم الإنسانية الداعية إلى نبذ الحروب وسفك الدماء.
ولكن النهوض بهذه المهمة لا يقتصر على دول الإقليم فحسب، بل يتعداها إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الكبرى، التي يفترض أنها المسؤولة الأولى عن الاستقرار الدولي ومصائر الشعوب. وإذا كان العالم شهد، في العقود الأخيرة، نزاعات مسلحة، فإن تبادل القصف الشامل بين إيران وإسرائيل سيسجل في التاريخ كأول نزاع إقليمي ودولي تم فيه وضع المنشآت النووية كواحدة من أهداف الحرب، وجرى استهدافها من دون مراعاة للتهديدات الأمنية والبيئية الخطيرة التي يمكن أن تترتب على مثل هذه الضربات غير المسؤولة والمتهورة، والتي كان يمكن أن تتطور إلى استخدام أسلحة محرمة وفتاكة، لولا أن أثمرت الجهود السياسية في آخر لحظة بنزع الفتيل بعد الاستهداف الإيراني لقاعدة «العديد» القطرية، والإعلان الأمريكي عن انتهاء الحرب، بعد الاقتناع بأنها ستكون مدمرة للشرق الأوسط إذا طالت أكثر من هذا الوقت.
كل المؤشرات تؤكد أن هذه الحرب انتهت ولم تتحقق أهدافها، مهما حاول كل طرف أن يرسم صورة نصر. وبعد أن طوت المنطقة واحدة من أسوأ التجارب العنيفة، يبدأ الدرس وعنوانه الأساسي أن الحرب لن تحل الخلافات، وأن منطق العدوان، الذي تنتهجه إسرائيل في المنطقة يجب أن يتوقف، وأن تنتهي الحرب على غزة، ويتم الاعتراف بالحق الفلسطيني. وهذا يمكن أن يتحقق بعد سقوط خيار القوة الذي ثبت أن طريقه قصير ومحدود الأفق، لتبقى القاعدة الأساسية هي الاستقرار الذي يبدو أن المنطقة أدركت نعمته بعد انتهاء هذه المحنة المريرة.
[email protected]

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"